كنت سأكتب عن عرض الدولفين الجديد الذي قدمه نبطشي الفرح في الغردقة عندما وجه الشكر لما سماه ( محافظة الغردقة )؛ جهلاً منه أن الغردقة مدينة في محافظة البحر الأحمر، وعن رعبه وحالته النفسية المتردية بعد التسريبات التي ظهرت في لهجته المرعوبة حين تكلم عن تغيير النظام وفقدانه لاتزانه، و مسارعته بالاتصال بولي النعم ( أوباما ) ليعده بما سماه استكمال الاستحقاقات الديموقراطية، ولكني إدراكاً لحتمية سقوطه إن شاء الله، قررت أن أكتب عن المقاطعة الشعبية كسلاح ضد الانقلاب، فقبل انتخاب الرئيس مرسي نشر نجيب ساويرس صورة على حسابه بتويتر يسخر فيها من المنقبات، وكان رد الفعل عنيفاً، ففي اليوم التالي انتشرت دعوات المقاطعة لشركاته، فما كان منه إلا أن ظهر بنفسه على شاشة قناة أون تي في المملوكة له ليعتذر للمسلمين.
كان ذلك هو الاختبار الأول لسلاح المقاطعة، المرة الثانية كانت بعد الانقلاب، عندما زاد معدل حرق سيارات الشرطة، فاضطرت ميليشيات الداخلية للاستعانة بسيارات شركتي شيبسي وكوكا كولا لنقل ميليشياتها لقتل المصريين، وما أن انتشرت الأخبار مصحوبة بدعوات المقاطعة، حتى أصدرت الشركتان بياناً تؤكدان فيه براءتهما، ومنذ أسبوع تقريباً أعلن نشطاء عن مقاطعة إحدى الشركات، لقيامها برعاية برنامج يتطاول مقدمه على الذات الإلهية، فأوقفت الشركة على الفور إعلاناتها على ذلك البرنامج وأصدرت بياناً تتبرأ فيه من مقدمه وتعلن عن مقاطعته.
في الوقائع الثلاث يختلف حجم الشركة ونشاطها المالي ولكن المحصلة واحدة، وهي أن الشعب مازال يمتلك في يده أدوات أخرى بالإضافة إلى المظاهرات والاعتصامات، يستطيع استخدامها ضد مصاصي الدماء ولصوص المال العام الذين دعموا الانقلاب، وأيدوا المذابح وسفك الدماء واغتنوا على حساب الشعب، فكيان كبير كشركات ساويرس شعر بالقلق من دعوات المقاطعة وسارع في الاعتذار، والفكرة أنه يمكن استخدام المقاطعة سلاحاً، وقد تمت تجربة الإعلان عن استخدامه ثلاث مرات، وفي المرات الثلاث لم يتم استخدام سلاح المقاطعة بل تم التلويح باستخدامه، بخلاف الحالة الأولى التي بدأت فيها المقاطعة بالفعل لعدة أيام حتى اعتذر ساويرس.
والمقاطعة التي أدعو إليها ببساطة هي المقاطعة الجراحية، وتعتمد فكرتها على أن تعمل كالمشرط لإزالة رجل أعمال بعينه من السوق عن طريق تبوير منتجاته وتخريب نشاطه الاقتصادي، فالأعداد التي تتظاهر في طول مصر وعرضها، تعبر عن نسبة أكبر من الشعب تعارض الانقلاب ولا تشارك في المظاهرات دائماً، بل إن رقعة الكراهية للانقلاب العسكري تتزايد يوماً بعد يوم بسبب تصرفات مهرج الانقلاب الأخرق، ولنتصور مثلاً أن جميع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والبالغ عددهم 2 مليون، كما قال ساويرس في أحد تصريحاته (العدد الفعلي يصل حسب بعض التقديرات إلى 15 مليون بالإضافة إلى أعداد المعارضين للانقلاب العسكري، التي تفوق ذلك العدد بطبيعة الحال*)، قاطعوا منتجاً بعينه فجأة، النتائج ستكون كارثة على رأس الشركة المنتجة.
وبإمكاننا تركيز المقاطعة على رجل أعمال واحد وبهذا لا تتشتت جهود المقاطعة، ويمكننا إيجاد البدائل سواء تلك المصنعة منزلياً أو تلك التي ينتجها صغار المنتجين، ثم الانتقال إلى أسماء أخرى دون تحديد مدة زمنية للمقاطعة مسبقاً، ودون الإعلان عن هدف (رجل أعمال) آخر للمقاطعة قبل الإجهاز على الأول أو الوصول إلى نتيجة مرضية في نسبة التدمير التي تصيب أعماله، هذه الفكرة حين نجاحها قد تجعلنا ننتقل إلى تتبع أهداف اقتصادية أخرى؛ كالمصالح المالية للدول الداعمة للانقلاب في مصر، وهو ما يقترحه أحد النشطاء والمحللين السياسيين وهو الأستاذ شهيد بولسن، وما آراه اقتراحاً جيداً يستحق المناقشة.
المقاطعة الجراحية هي فقط أحد أساليب المقاومة التي يمكن للجميع المشاركة فيها بفاعلية، فالمقاطعة سلاح نمتلكه جميعاً ونستطيع استخدامه في أي وقت، وهو سلاح قادر على القتل الاقتصادي..
*مصدر العدد الفعلي للإخوان المسلمين تصريح سابق للمستشار السياسي للإخوان المسلمين في 2009.