قبل ان أبدأ اطلب المعذرة من السادة القراء على طول المقال هذه المرة, فسأقدم له اليوم تحليلاً إعلامياً متخصصاً في المسألة الباسمية!
أراجوز العرص !
وقبل أن أتحدث عن كارثة حلقة باسم يوسف بالأمس, أحب أن أذكر القراء اولاً بالمشاهد التالية :
المشهد الأول: استوديو العاشرة مساءاً اوائل شهر ابريل 2011 منى الشاذلي ترتدي فستاناً أبيض اللون بأزرار سوداء عريضة وتضحك ضحكتها الشهيرة الشبيهة بضحكة صابرين في ذلك الكليب الشهير الذي نذكره جميعاً من أيام الطفولة الذي كانت تغني فيه ( أنا الفرخة ) فترد عليها رسوم متحرك ( وإحنا الكتاكيت ) .. باسم يوسف وقتها وجه ثوري بسيط مبشر, لا تملك الا أن تتأثر ببساطة بدلته الرمادية وقميصه الأزرق بدون رباط عنق وبدون ساعة يد ثمينة, بساطة وتواضع لا تملك الا أن تتعاطف معها, نقاءه الثوري وبساطته وكلماته الصريحة الجريئة تملك القلب .. باسم يوسف يتحدث عن تأثره بإصابات الثوار في ميدان التحرير ويقول لمنى الشاذلي أنه كان من الأطباء ورأى الإصابات بين الثوار في الميدان .. منى الشاذلي بلهجتها المتأنية التي تقف نفس وقفات رئيس الوزراء البريطاني تشرشل التي كان يحلو للسادات تقليدها في خطاباته : شخصية فنية بدون ذكر اسماء دار بيني وبينها حديث لائم, ليه طلعت قلت اللي قلته دا, قال لي ما هما اللي قالوا لي باسم يوسف بنظرات واثقة متوعدة كذلك يخاطبها وبصرامة يتحدث كأنه يمثل ضميرنا الثوري وتعلو نبرته قليلاً بما يشبه الاحتقار : ما هي دي مسؤولية الكلمة, انتي ليه ترددي كلام انتي مش متأكدة منه ؟ حضرتك ممكن ترددي الكلام اللي انتي سمعتيه دا في قعدة خاصة, لكن لما تطلعي تقولي الكلام دا قدام ملايين أنا ساعتها مش هعرف مين اللي قالوا لك, انتي اللي قدامي. وهو ما أربك المذيعة وذكرها ببكائها على المخلوع يوم خطابه الشهير الذي سبق موقعة الجمل فدفنت رأسها في أوراقها متظاهرة باستحضار سؤال جديد وهي تتمتم في ارتباك واضح ( عشرة على عشرة يا دكتور باسم ) تواضع الملابس وبساطة الحديث وثوريته وقوته في الحق ( هكذا رأيناه وقتها ) والكلمات التي تخرج من الضمير مباشرة فتدخل ضمائر المصريين تبشرهم بأمل في أن ما حدث في السنوات الماضية لن يتكرر ! مشهد شاعري جميل ومبشر لا ينقصه سوى ورود متطايرة في الهواء ودباديب وقلوب وموسيقى رومانسية, نترك الآن الورود والدباديب وننتقل إلى مشهد آخر بعد سنتين تقريباً
المشهد الثاني: أمن الانقلاب يرتكب مجزرة رابعة والنهضة وقنوات وصحف العالم كله حتى في الدول الداعمة للإنقلاب مثل أمريكا تنشر صوراً للجثث المتفحمة .. جريدة أمريكية تنشر قصة الشهيدة حبيبة ابنة مستشار الرئيس مع صورة مروعة لها جديرة بأحد أفلام هوليود وهي تجلس وسط الخراب والحرائق والدخان يملأ الجو من حولها غير عابئة بالرصاص ولا القناصة ولا البلدوزر العسكري الذي يقتحم ميدان رابعة, تدق على طبق معدني لتحذر الناس وتفضل الجلوس وسط كل هذا الخراب لتنقذ أرواح من تستطيع من معتصمي رابعة, مشهد مليء بالشر, جدير بحرب فيتنام أو مذبحة بحر البقر ولا ينقصه سوى مشهد طائرة عليها نجمة داود تلقي بقنابلها الشيطانية على الأرض التي تحولت إلى خرائب
الجزء الآخر من المشهد باسم يوسف وللمصادفة يرتدي بدلة وقميص بنفس الألوان ولكنهما أكثر اناقة, عيناك لا تخطئان الماكياج وجو البهرجة المبهر في الاستوديو … يقوم من خلف المكتب ويدعو جمهور الاستوديو للترحيب بفرقة سماها ( ينابيع الطفولة ) يغني معهم ولم تكن قد مرت أيام على المجزرة .. الجميع يرقص في الاستوديو … انت تتابع المشهد بحماس وتمسك بيدك تليفوناً تفتح عليه حساب الفيسبوك الخاص بك … باسم يوسف يغني ( وطلع بيان قرر يفشخ الإخوان ) … تتراص امامك على الفيسبوك صور جثث الشهداء … هناك شيىء في المشهد غير مريح .. تمسك بالريموت وتتحول إلى الجزيرة .. تسمع عويلاً ونواحاً … أمهات تنظر في قوائم معلقة على جدران مسجد محاصر تُطلق عليه قنابل الغاز من الخارج يبحثن عن أسماء ابناءهن بعد أن فشلن في التعرف على الجثث المحترقة المشوهة المتراصة في صفوف .. تختلس نظرة إلى صفحة الفيسبوك .. ترى صورة حبيبة وسط الدخان والدمار .. يصيبك الذهول … تحول القناة لترى باسم يوسف ذلك الضمير الثوري الذي اربك منى الشاذلي منذ سنتين وآثار إعجاب الملايين ببساطته وثوريته ما يزال يتقافز على الشاشة وهو يغني في حالة من النشوة ويطوح رأسه يميناً ويساراً ( وقرر يفشخ الإخوان ) …….
المشهد الثالث : بدايات شهر ابريل 2014 باسم يوسف يدخل الاستوديو مصحوباً بالتصفيق كالعادة, ولكنك تشعر أن هناك شيىء ما منطفيء وأن هذا التصفيق ليس من القلب, يبدأ في وصلة متوقعة عن ( جونينة ) وزير دفاع الانقلاب الذي اصبح يُعرف الآن في شوارع مصر وحول العالم وفي الفضاء الالكتروني بإسم ( العرص ) … باسم يوسف يسخر من الحافة ولا يقترب من رأس الانقلاب, يسخر من الجونينة, ومن تحليلات دجالي الإعلام الذين استنفذوا دورهم .. الحديث كله يدور عن الجونينة وعن السخرية من مهرجي الإعلام المصري الذين لم يعد أحد يصدقهم .. الايفيهات مرتبكة معتمة منطفئة ومفتعلة بشكل لافت للنظر .. باسم يوسف يصطنع الكوميديا اصطناعاً في مواقف مثل الجونينة والتي حولها نشطاء فيسبوك وتويتر إلى نكتة قبله بحوالي اسبوع .. يبتعد قدر الإمكان عن موضوع الهاشتاج الذي اصبح حديث المصريين في الشوارع وهتافهم الأساسي في مظاهراتهم الرافضة للانقلاب وفي جرافيتي على جدران الشوارع والمواصلات ويقدم للمشاهدين مادة جديدة للسخرية من مهرجي الإعلام بل ويقدم لهم هاشتاج للسخرية من مذيعي الانقلاب !!! … روح إعلام المخلوع الذي دأب على مهاجمة قطر حتى ثورة 25 يناير رفرفت على الحلقة بقوة .. باسم يوسف يصطنع كوميديا من لا موقف أساساً .. يهاجم تميم أمير قطر لأنه رفع ركبته في وجه صبحي غندور, ذلك المنسي الذي لا يذكره أحد حتى ولو بالسباب والذي بالكاد يذكره النشطاء … باسم يوسف يبهر جمهوره ويظهر خشيته من انتقاد من بات يعرف بالعرص حول العالم, ويعلن صراحة في مشهد يثير الاستغراب أنه لا يستطيع مهاجمته ويتحدث عن شكري مندور مسمياً إياه ( رئيس ) !!! .. يستنكر تسمية قناة الجزيرة لما حدث فيما بات يعرف بإسم ( 30 سونيا ) بالانقلاب !! ..
هناك نوع من الأواني في مصر تعرفه ربات البيوت بإسم ( الحلة البريستو ) ويعتمد على طهي الطعام بالبخار, هذا النوع من الأواني لو اغلقت فتحات البخار فيه لانفجر في وجه من يتعامل معه, الأمر لا يقتصر فقط على تفريغ الغضب أو تفريغ السخرية من نظام الإنقلاب الذي استولى على الحكم بقوة السلاح, بل الأراجوز في النظام العرصاوي, يلعب دوراً مهما في تحويل الدولة من مصر إلى ( عرصستان ), وأشد ما يخشاه أي نظام يقوده عرص مثل نظام الإنقلاب في مصر هو إهانة الشعب له واستهانته بعرصه الأكبر, فما أن ظهرت تغطية قناة ال بي سي اللبنانية وتبعتها تغطية تلفزيونية أمريكية وكتبت صحف العالم عن هتافات المصريين في المظاهرات ( انتخبوا العرص ) حتى قامت قيامة أراجوزات الإعلام, فهذا يتقافز غضباً على الشاشة وتلك تجز على أسنانها, وذلك يسدي النصائح, وهذا يستعطف, وبدأت لجان العرص او ابناءه يسبون وقد خرجوا عن شعورهم على مواقع التواصل الاجتماعي, وخرج شيوخ العرص كبرهامي يدعو لتطبيق الحد على من يشارك في الهاشتاج بينما كتب أحد الصبية كما وصفه الشيخ عبد المقصود من قبل, مقالاً يشجب فيه ويدعي التقوى والورع, وظهرت أخبار عن نادي عراة لعل الناس تلتفت عن السب الملياري لعرص الانقلاب في كل عواصم العالم تقريباً, ثم ظهر أراجوز العرص الذي ظنناه يوماً ما ضميراً ثورياً ليناور وليسخر من ( جونينة ) ليذهب بانتباه مشاهديه إلى ما يحيط بالعرص وليس بشخص العرص نفسه, وليرسخ الخوف منه, ويحاول تثبيت مكانته باعتباره غير قابل للنقد على الرغم من أنه لم يكن يترك حركة اصبع للرئيس مرسي تمر دون سخرية, ثم يقدم لمشاهديه هاشتاج جديد لينشغلوا عن الهاشتاج الذي مرمغ كرامة عرصه الأكبر في الوحل وبين حجم شعبيته ولا يقترب في حديثه من قريب أو من بعيد من الهاشتاج الذي دشنه النشطاء للعرص على الرغم من بذاءة ايحاءاته حتى في حلقة الأمس نفسها, ولا بأس في سبيل الحفاظ على ( العرص ) من التضحية ببعض القطع التي بدأت تفقد قيمتها على الرقعة, فهؤلاء الإعلاميون قد أدوا ما عليهم وزيادة ولم يعد الجمهور في مصر يصدقهم, فلا بأس من إضفاء بعض المصداقية على الأراجوز وشغل الجمهور في معارك جانبية بين الأراجوز من ناحية والإعلاميين من ناحية أخرى, ولكن لابد من التأكيد على على ان قطر شريرة وعلى أن امير قطر الذي ظهر عطوة طنبور وهو يصافحه في انبهار بينما يبتسم تميم ابتسامة غير مكترثة بل وظهر في صور أخرى وهو يرفع رأسه من بعيد لتلقطه الكاميرات بينما يسير في الأمام أميرا قطر والكويت, يريد الشر بمصر !
وانا بشكل شخصي لا مشكلة لدي في أن ينتقد أي مسلم على وجه الأرض مصر أو نظامها, وبالضرورة فأنا أرى أن من حق أي شخص أن ينتقد قطر أو اميرها أو أي بلد آخر, ولكن في بلد انتقلت فيه السلطة من حاكم إلى حاكم بشكل يرتضيه شعبها ( لا بانقلاب كما حاول أن يوهم مشاهديه ), لا يمكنك ان تنتقد الا سياسات هذا الحاكم لا شخصه, خصوصاً بعد أن ظهر بصورة كاريزمية وهو يلقي خطابه, بينما العرص الذي يحاول أن يدافع عنه لا يجيد نطق جملة واحدة دون أن تمتليء مواقع التواصل الاجتماعي ( بالألش ) عليه وعلى حركات يده ووجه ومخارج ألفاظه وقصر قامته ! وأعترف ان الرئيس مرسي لم يكن يتمتع بالكاريزما الخطابية على الرغم من فصاحته لغوياً, واعترف كذلك على الرغم من كراهيتي لعبد الناصر والنظام العسكري الفاسد الذي بناه وعلى الرغم من رأيي فيه الذي يتجاوز هذا بكثير, بأن عبد الناصر كان صاحب كاريزما خطابية وشخصية, كنت ساصدق الأراجوز ان انتقده لأسباب موضوعية موجودة حقاً, لا أن يفتعل الكوميديا افتعالاً كما فعل ! والخلاصة أنه على رأي اللواء كفتة الذي قدم اختراعه أمام العرص أن ( المخابرات بتاخد باسم يوسف ثوري وبترجعه طرطور أراجوزي ودي قمة الإعجاز التعريصي )
وللحديث بقية ان شاء الله.