الجمعة، 06 فبراير 2015 10:53 ص
سنة ونصف أو أكثر فصلت بين “وبكرة تشوفوا مصر” ( التي يحرص دائماً على نطقها ماسر ) وبين “لن أكبل أيدي المصريين في الثأر”.
في البداية وعد “عبد نتن ياهو” أتباعه بالاستقرار وبالأمن والاستقرار وبتدفق الأموال بعد إزاحة الإخوان تجار الدين ( كما يحرص إعلام عباس على تسميتهم )، ثم طلب تفويضاً لمحاربة الإرهاب المحتمل، وبعد سفك دماء المعتصمين في رابعة وحرق أجساد الشهداء والمسجد، نقل الجيش إلى سيناء ليحارب إرهاباً محتملاً من نوع آخر، وانتقلت قوات جيش المرتزقة لتقضي على أوكار الزيتون ولتبيد قواعد الفكر المتطرف في بساتين الفاكهة التي يزرعها أهل سيناء، وانطلقت طائرات الأباتشي يقودها الطيارون المغاوير لينقضوا على العشش “الإرهابية” ويحرقوا من فيها من أطفال ونساء وشباب وشيوخ، ومع كل ذلك العنف لا يبدو أن من راهن على الانقلاب قد حقق نجاحاً يذكر.
الانقلاب في الأساس قام على مقامرة احتمال مواجهة الجيش للشعب، ولتفادي ذلك الاحتمال، تم تغليف الأمر باحتجاجات شعبية مفتعلة، بعضها حقيقي وأغلبها مصطنع ثم تدخلت يد خالد يوسف لينتج مشهداً سينمائياً للحشود الغاضبة من الرئيس، الذي لم يكمل سنة واحدة في حكم لم يكن يملك كل مؤسساته أصلاً.
كان ذلك هو الستار الذي حاول به مخططو الانقلاب تفادي مواجهة شعبية، مع التضخيم بالطبع في دور الجيش وخلق حالة من التورم الإعلامي وصناعة صنم من قائد الانقلاب، ولفهم الأمر يجب أن ندرك أن هناك طرفين يخشى أحدهما مواجهة الآخر، الشعب الذي يظن الجيش “خير أجناد الأرض” الذي انتصر في أكتوبر (وهذه أكذوبة)، والشعب الذي يخشاه قادة الجيش ويعلمون تماماً أن هناك كتلة حرجة إن تكونت فلا سبيل أمام الجيش إلا الانحناء أمامها.
قبل انتخاب الرئيس مرسي كان طنطاوي (وهو لا شك على قدر كبير من العقل على الرغم من إجرامه) يدرك أن مواجهة 468 ألف جندي موزعين على مساحة مصر كلها، مع شعب ثائر ستعني تدمير الجيش وخروج الأمر من يد العسكر إلى الأبد، بينما من الممكن أن ينحني الجيش للعاصفة قليلاً حتى يعيد ترتيب أوراقه، وبعد الانقلاب ظل هذا الاعتبار قائماً على الرغم من عنف الجيش في مواجهة المظاهرات، ففي البداية ضربت ميليشيات الانقلاب اعتصام رابعة في مذابح سريعة، الغرض منها خلق شعور بالصدمة لدى الجميع وإشعارهم أن الاحتجاج والتجمع والتظاهر بات مرفوضاً وسيقابل بالقوة.
ثم جاءت المرحلة التالية وهي تحريم الميادين على الشعب وغلقها، حفاظاً على رمزية ميدان التحرير من جانب، وردعاً للشعب من جانب آخر حتى لا تواتيه الشجاعة فيملأ الميادين من جديد، واعتماد فكرة مواجهة المظاهرات الكبرى عن طريق القتل الجراحي أو الانتقائي، فكل جمعة يسقط شهيد او اثنان لتوفير ما تظنه العصابة ردعاً، بالتوازي مع التعتيم الإعلامي على المظاهرات لخلق شعور زائف لدى الشعب بالاستقرار، والكلمة السحرية في تلك المعادلة هي “الاستقرار” الذي يحاولون خلقه عن طريق اخبار مثل ضخ أموال، ومثل مشاريع فاشلة مثل الترعة التي يحاولون شقها وتمنى كل لحظة بالفشل … الخ. ذلك الستار الزائف الهش من الاستقرار هتكته عمليات المقاومة التي تقوم بها الكيانات التي نشأت حديثاً في عدد كبير من محافظات مصر، ومزقه تنظيم “ولاية سيناء” عبر عدة عمليات تعمد التنظيم بثها بالفيديو لتدمير معنويات ضباط وقيادات الجيش، مثل حادثة كرم القواديس التي ظهرت فيها الدبابة تهرب امام البنادق، واعتقال ضابط شرطة وإعدامه، ثم حادثة الكتيبة 101 سيئة السمعة التي تمت تسويتها بالأرض، وهو عنف مرفوض خلقته حماقات الخائن “عبد نتن ياهو” في سعيه لإرضاء أسياده في تل أبيب.
الخلاصة أن الغرب الذي راهن عليه يبدو أكثر تململاً وقلقاً وقد عبر شعور القلق عن نفسه في مقال منذ يومين للنيو يورك تايمز، قالت فيه الصحيفة أنه لم يأت بالاستقرار لمصر، ولا جمهوره الذي تآكل بشكل كبير أصبح يشعر بالاستقرار أو الأمن وخصوصاً مع انكشاف حقيقة جيش المرتزقة الذي يفر ضباطه في الدبابات من أمام البنادق، ويبقى اختيار الشعب ممثلاً في الرئيس مرسي والبرلمان المنتخب والاستحقاقات الانتخابية السلمية هي الضامن لتجنيب مصر مواجهة لن يخسر فيها سوى الجيش، الذي لم يكف عن فقد أسهمه منذ السطو المسلح على مصر.