حاولت أن أتحاشى مشهد صحفية الجزيرة السيدة شيرين أبو عاقلة وهي ملقاة على الأرض خلف شجرة وبجانبها صحفية أخرى تصرخ تنادي الإسعاف بعد أن اغتالتها عصابة الاحتلال الصـ هـ يوني فلم أستطع
فهو أحد المشاهد التي تجعلك تبكي دون أن تشعر
مشهد يصهر مشاعرك ويذيبها كما يذوب الجليد مهما تظاهرت بالجلد فهي سيدة فلسطينية اغتالتها يد الاحتلال الغاشمة التي تقتل الفلسطينيين يوميا بدم بارد
حين استحضرت اللقطات وشاهدت لحظاتها الأخيرة, كانت التفاصيل صادمة تصيب القلب بلهب لا يبرد. مشهد ترك في القلب غصة ووجدت هذه الدموع تسيل كما سالت من قبل على غادة سباتين ومحمد الدرة وإبراهيم أبو ثريا وكل من قتلتهم يد عصابات الاحتلال الصـ هـ يوني وتقتلهم يوميا
شيرين لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في معركتنا مع عصابات الاحتلال المجرمة في ظل خيانات رؤساء وأمراء وملوك الطوائف العربية، ولن تنتهي هذه الجرائم إلا بعد أن تفيق الشعوب المسلمة من غيبوبة الركون إلى الظالمين والرضوخ لاحتلال الحكام الخونة الذين يحتلون بلادنا بالوكالة عن المحتل الأصلي
سيظل مشهد اغتيال شيرين أبو عاقلة هو أحد المشاهد التي لا أظنها تفارق ذاكرة آلاف المتابعين لقضيتنا في فلسطين وأكثرها جدلاً في ذات الوقت
أحداث كثيرة قد تستحق هي الأخرى أن تحظى بنفس القدر من التسجيل, فما أكثر شهداء فلسطين الذين تغتالهم يد الاحتلال المجرمة يوميا, لكن ما تبينته هو أن البعض يتفاعل مع شخصيات فلسطينية دون الأخرى رغم تعرض هذه الشخصيات لما تعرضت له شيرين وأكثر
الأكثر من ذلك أن هناك البعض من أصحاب الهوى ومن أصحاب اللحى أيضا وعاشقي الشهرة ومستغلي الترندات التويترية الفيسبوكية سارعوا بإطلاق ألقاب معينة وهم أحرار في ذلك طبعاً دون صبغ كلامهم هذا بصبغة دينية واللبس على المسلمين
لأن يوميا وعلى أرض فلسطين المحتلة هناك العشرات ممن يُقتلون برصاص الاحتلال دون هذا الضجيج ولا يكتب عنهم إلا قلة قليلة هم المؤمنين حقا بالقضية الفلسطينية كقضية إسلامية
ما لفت انتباهي في موضوع شيرين أن هناك عشرات ممن يسمون أنفسهم مشايخ، ومشاهير وأيضا ممن يروجون للتطبيع ويسبون الفلسطينيين ويقولون عنهم أنهم باعوا أرضهم وجدتهم يركبون الترند ويترحمون على شيرين ويصفونها بالشهيدة
ولا عجب
فالبعض يحاول استغلال حادثة مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة لكسب بعض الأصوات المؤيدة أو لمتابعة حسابه
والبعض الآخر يحاول استغلال الحدث للحديث عن إجرام عصابة الاحتلال الصـ هـ يوني وهذا هو ما يجب فعله
لكن أن يتحول الأمر إلى معركة كلامية ومشادة بين من يترحمون على شيرين ومن لا يترحمون فهذا ما يجب أن يتوقف فبغض النظر عن قناعة الاخوة المترحمين على شيرين بجواز الرحمة من عدمه أو إسباغ صفة الشهادة عليها أم لا، فلا يجب أبداً ان يصل الأمر في موضوع واضح عقدياً أن يقوم هؤلاء بسب أو انتقاد من يوضحون الحقيقة بمنتهى العقلانية وبالأدلة الشرعية خاصة وأن هؤلاء وانا منهم لم يخطئوا في حق شيرين وانما كتبنا ما نعتقده ونؤمن به بغض النظر عن حزننا وتأثرنا بحادث قتل شيرين
بل إن كل من كتب عن شيرين كتب وهو حزين لكونها أمرأة فلسطينية قتلتها يد العدو الصـ هـ يوني بغض النظر عن كونها صحفية من عدمه
ولكن عموما ليس هذا موضوعي الآن
فنحن جميعا نكن لشيرين الحب والتقدير لما قدمته من تغطية صحفية للأحداث في فلسطين المحتلة كما نحب ونقدر ونحترم كل إخوتنا في فلسطين المحتلة ممن يبذلون أرواحهم لتحرير مقدساتنا
والسؤال الذي يبحث البعض عن إجابة له وأحاول هنا الإجابة عليه بشكل موضوعي
هو لماذا لم تحظ مشاهد مقتل السيدة غادة سباتين التي ارتقت بالقرب من بيت لحم بعد أن أطلق عليها مجرم من مجرمي عصابة الاحتلال الرصاص عليها بدم بارد منذ شهر بنفس التغطية التي حظيت بها مشاهد مقتل شيرين أبو عاقلة؟
غادة سباتين الشابة الضريرة التي حاصرها جنود الاحتلال بالسلاح وقتلوها بدون سبب يُذكر، فلم تكن صحفية، ولم تكن تغطي أحداث ولكنها كانت أما لستة أطفال تركتهم بلا عائل حيث كانت هي عائلهم الوحيد
والإجابة قد تبدو بسيطة ولكنها تحمل تفسيراً إعلاميا قد يريح البعض
مشهد ارتقاء السيدة غادة سباتين وإن كان مؤلما وتحدث عنه العديد من المسلمين إلا أن مشهد اغتيال شيرين أبو عاقلة كان مثل مشهد ارتقاء الطفل محمد أبو درة في تأثيره ووصوله للعالمية
مشهد استطاع لكون القتيلة ممن يعملون في مجال العمل الصحفي أن يخترق كل حواجز التعتيم الإعلامي العالمي ليرى العالم كله الصورة الحقيقية للمحتل الصهـ يـ وني الذي يتشدق عبر الاعلام العالمي بـ ديمقراطيته والسماح للصحفيين بحرية التحرك للتغطية الصحفية
مشهد نقل لهم صورة لم يعهدها المواطن في الغرب لما يحدث على أرضنا المحتلة
مشهد كسر كل المانشيتات التقليدية في الصحف العالمية والجمل الافتتاحية في نشرات الأخبار.
المشهد مؤثر ولا أستطيع هنا إلا ربطه بمشهد وفاة محمد الدرة الذي استطاع من قبل كسر الحواجز واخترق جدار التعتيم الإعلامي الصـ هـ يوني لما يحدث على أرض الواقع ويجب أن يبني عليه كل المهتمين بالقضية الفلسطينية وكل من يعمل بمجال حقوق الانسان للحديث عما يدور على أرض في فلسطين من جرائم عصابة الاحتلال ولكن بدون التعويل على أمريكا
لأنه مستحيل أن تتحرك أمريكا التي تحمل شيرين أبو عاقلة جنسيتها لمحاسبة الصـ هـ اينة على هذه الجريمة رغم بشاعتها؟
ولن تتحرك أوروبا والدول الصـ لـ يـ بـ ية من أجل شيرين كما تحركوا من أجل الأوكرانيين؟
لأنه باختصار وكما قال الصديق الأستاذ رضا هلال، امريكا لم تتحرك حين قُتلت راشيل آليان كوري الأمريكية التي تصدت لجرافة تابعة لجيش الدفاع
الصـ هـ يوني سنة 2003
مرة أخرى، خالص العزاء لأسرة الصحفية شيرين أبو عاقلة وأخوتنا في فلسطين الحرة
وإنا لله وإنا إليه راجعون