حدث جلل وقع بالأمس, فاشاع السرور والحبور في بر المحروسة, فقد خرج فاسوخة الدعاة وشاويش الواعظين, وفقيه الاستنجاء الأعظم ومصطفى بكري الدعوة, صاحب الغترة المعفرة بالعطور من وكره بالإنعاش فعُلقت الزينات في بر المحروسة وعم أرجاءها الفرح والسرور.
وخروج شاويش الوعاظ من جحره لهو حدث جلل يستحق التسجيل. فقد خرج صاحب الغترة هذه المرة وافاض في حديث الذكريات, حتى تكاد تظن في نهاية الحوار أنك تستمع لأحد البرامج الإذاعية القديمة من نوعية ما يطلبه المستمعون.
الإطلالة هذه المرة كانت مميزة, فلم تكن قصيرة كإطلالته يوم تفجير القنصلية الإيطالية المدبر حين خرج من جحره ليتحدث عن (حرمة القنصليات المعصومة) ثم عاد سريعاً ليعلق المحاليل وليرقد على فراش الإنعاش ويدخل في فترة بيات أمني.
تكاد وأنت تقرأ الحوار, تسمع صوته وتراه يرفع إصبعه وترى قطرات الجليسرين تنساب من عينيه على لحيته المعطرة, وترى يده تمتد لتصلح وضع الغترة على رأسه, وإن كنت تمتلك القليل من الخيال لسمعته يقول بصوت متهدج منكساً رأسه, يمسح قطرات الجليسرين “فاصل يا ابني”
الأداء المتصاعد لممثل مسرحي يتوقف بعده لحظة ليأخذ “السوكسيه”
يتصاعد الأداء ويصل إلى الذروة حين يتحدث عن لقاءه الثاني بقيادات التحالف ورفضهم لشروط شاويشه الانقلابي, وتكاد هنا تسمع موسيقى متصاعدة تصل بك إلى ذروة المشهد حين يقول أنه علم علة رفض قيادات التحالف بسبب وجود آشتون وقال لهم ناصحاً ان قلوبهم معلقة بآشتون !!
وهنا علينا نحن كجمهور أن نمسك بمناديلنا ونكفكف دموعنا تأثراً وانبهاراً بالعبارات وبموجات التقوى التي تغمر المسرح, فالشاويش حسان يذكرنا في هذا المشهد, بفيديو قديم له وهو يحلف بالله للرئيس مرسي عند استقبال رئيس إيران ليقول له “والله لن ينصرك الله”
متفرجون أصيبوا بالإغماء وآخرون انخرطوا في نوبة نهنهة, والقاعة كلها تهتز من أصوات بكائهم.
مجموعة من المتفرجين في الصفوف الخلفية يصل بهم الانبهار إلى أعلى درجاته فيقفون مصفقين ودموعهم تنهمر, فتتابع صفوف المتفرجين ليقف جمهور القاعة كله ويتعالى التصفيق.
طبعا لا يلاحظ أحد, احتفاءه بذكرى جلوسه بجانب شاويش الانقلاب ولا لقاء شاويش الانقلاب بآشتون كما قال.
قيادات التحالف قلوبهم معلقة بآشتون لأنهم رفضوا شروطاً لا تختلف كثيراً عن ضرورة إسكات أفراس النهر في طيبة التي تزعج الهكسوس في شمال مصر, لكن شاويش الانقلاب لم يكن قلبه معلق بآشتون !
لماذا يعجز حسان عن رؤية التناقض في حديثه ؟
بغض النظر عن تكذيب د. عمرو دراج له, فهذه نقطة أخرى, لكن السؤال هو لماذا يفكر الشاويش حسان بتلك الطريقة المقلوبة ؟
الإجابة على هذا تجدها فيما زعم أنه قاله لقيادات التحالف عندما قال انه لا توجد جماعة تتحدى دولة وأن هذا جنون وضد سنن الله إلى أخر هذا الكلام الباطل.
الإجابة ببساطة هو ان ذلك المخبر هو ابن المؤسسة.
حتى تصبح دجالاً كحسان في مزرعة سمك مسورة مثل مصر, يجب أن تصعد من القاع وأن تمر بكل مراحل المواطن الصالح.
يجب أن تصدق الإعلام, ويجب ان تعتبر مؤسسات العسكر “أبيك وأمك”
يجب الا ترى سقفاً غير مؤسسات العسكر التي أنشأها الاحتلال, وحتى يُسمح لك بأن تكون داعية في بلد تعادي مؤسساتها الدين, فأنت تخضع لأكثر من اختبارات المواطن الصالح التقليدية.
يجب ان تكون “راجل سبور”
أتمنى ان يكون المعنى وصل دون الحاجة للجوء لألفاظ أقوى قد تؤذي نفسية دراويش شاويش الواعظين.
يجب أن تتجاهل مثلاً فتوى أصدرها مائة عالم (عالم وليس مجرد واعظ خريج إعلام كحسان) بتكفير المخلوع حين حاصر غزة وقت العدوان الصهيوني عليها وبعد أن أعلنت وزيرة خارجية الكيان الصهيوني الحرب على غزة من القاهرة.
يحتاج هذا إلى أن تكون “راجل سبور” ولكن لتشكر المخلوع على تعامله مع العدوان على غزة بعد أن تصدر فتوى من 100 عالم بتكفيره لحصاره غزة, فأنت تحتاج إلى أن تتمتع بالكثير من السمات النفسية لدحلان.
الشاويش حسان هو ابن المؤسسة وليس في هذا أي تعريض بسبه, بل هو ما أقصده بالضبط, هذا شخص نشأ في بيئة كبيئتنا جميعاً تلوث عقله بأساطير الإعلام ولم يحاول لحظة أن يتطهر منها ولم يمتلك لحظة منطقاً يجعله يتسائل عن تناقضات الروايات الإعلامية المؤسِسة لصورة الدولة الحظيرة.
في مرحلة ما قد يحتاج لعملية استئصال ضمير, حتى يدير ظهره لإجرام أمن الدولة والاستمرار في الحديث عن الاستنجاء.
عملية استئصال الضمير هي ما تصل بك إلى مرحلة أن تكون حسان.
عملية استئصال الضمير هي التي تصل بك إلى مرحلة أن تتجاهل تماماً حكم الشرع في قطاع الطرق الذين أهلكوا الحرث والنسل في رابعة وغيرها, وأن تتجاهل الضباط النصارى الذين كانوا يصبون رصاصاتهم على أجساد المسلمين ثم تطالب بالدية, والحقيقة أن الجميع يعلم أنه لم يطالب هو شخصياً بالدية وانما طلب منه أسياده العسكر أن يعرض الدية علهم يطفئوا نيران رابعة التي لم تخمد في الصدور.
ولكنه لا يقف عند هذا الحد, بل لا يجد حرجاً في أن يلمح إلى أن “أهل الخير” في الخليج على استعداد لدفع ما يسميه بالدية وهو أمر معتاد بالنسبة لهؤلاء, والشاويش حسان صاحب صولات وجولات في التسول والأكل على موائد الحكام العملاء, وسبق له أن تسول من القذافي نفسه, كما لا يخفى على أحد أن هذا التلميح لا يمكن أن يصدر الا عن أسياده العسكر ويبدو أن كفلاءهم من آل سعود وعدوهم بدفع “الدية” إن استطاع الشاويش حسان تمرير العرض.
أي أن حسان يلعب دور فانتوماس في فيلم مطار الحب, فلا هو يملك ان يتحدث من تلقاء نفسه ولا جريدة الوطن تملك ان تجري معه حواراً من تلقاء نفسها ولا تملك احدى القنوات الانقلابية أن تستضيف أخاه مساءً ليقول أن شقيقه يحب الجيش المصرائيلي, ولسنا اطفالاً لكي لا نربط بين محاولات البعض تلميع حسان في الفترة الماضية وبين خروجه بالأمس من الإنعاش.
نحن لسنا أطفالاً لنعتقد أن كل هذا يحدث بالصدفة, الجميع يدرك أنها حملة دعائية منظمة شنتها مخابرات العسكر لإطفاء حريق رابعة المشتعل في القلوب, محاولة لإخماد نيران القصاص.
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الذكاء لتدرك ان مجزرة رابعة ما تزال تؤرق العسكر, حتى لو اضطروا للاعتراف ضمناً بالمجازر التي ارتكبوها عن طريق المخبر حسان وحتى لو استهلكوا أراجوز الدعاة, حسان ألف مرة.
عُد إلى جحرك يا حسان ولا تزعجنا وعلق المحاليل وارقد على فراش الإنعاش واغرق في غيبوبتك, فلا أحد يهتم بالاستماع إليك.