كان مذعوراً ترتعد فرائصه حقاً ولم يكن بمقدوره إخفاء هذا. كثيرون رأوا في لهجته المذعورة أملاً. رسائل التهديد المبطنة التي حملتها كلماته المتلعثمة اظهرت كم يعاني من الخوف. مجرد رؤيته وهو يتحدث بهذه الطريقة حملت البعض على الابتسام.
بعد كلماته التي ظهر فيها واضحاً انفلات أعصابه وقنوطه واقترابه من مرحلة الانهيار النفسي, اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة التي كان بإمكانك ان تلمح فيها زفرات راحة تبررها طرق امتلأت بجثامين الشهداء في سلسلة من المجازر يستحيل أن تُمحى من الذاكرة وسنوات عجاف ناءت تحتها عظام الشعب الذي بات يئن تحت ثقل الغلاء وهو صنو العجز السياسي وقلة الحيلة والتخبط.
الكثيرون رأوا في عصبيته ورعبه نوعاً من السلوى وهي حالة جديرة بالدراسة, فهذا شخص يكرهه ظله, ولقد نجح في سنوات ما بعد الانقلاب في الفوز بكراهية لم يبلغها المخلوع الا بعد عشرين سنة من حكمه.
هذه الحالة غير المسبوقة التي ظهر عليها والتي بدت كما لو كانت مشهداً تمثيلياً في نهاية أحد الأفلام الدرامية, احتاجت منه ( في رأيي ) أن يغطي عليها بزيارة احدى المناطق الصحراوية ( التي يُقام عليها شيء ما لا تعرفه كنهه كسائر المشروعات التي يقيمها حكام العسكر ) ليطلق بعض التصريحات وليبدو كما لو كان يتفقد مشروع ما لتتناول هذا برامج التوك شو والتقارير الصحفية بينما الحقيقة أن كل هذا هزل والهدف الحقيقي هو محاولة غسل ذاكرة الناس من أثر تلك المشاهد المرتبكة التي ظهر فيها خائفاً وحالة التشعث النفسي التي بدا عليها والظهور كما لو كان كل شيء على ما يُرام وهي حيلة متكررة ألفها الناس, ولم تعد تنطلي على أحد ولم تفعل هذه الزيارة سوى أن زادت الأمور سوءاً إذ ادرك الجميع أنها ما تمت إلا للتغطية على ظهوره المشوش أول أمس.
ومن المتوقع أن تتبع هذا اجراءات أخرى كرفع أسعار بعض أسعار السلع الأساسية او افتعال بعض الأزمات الاقتصادية أو أي شيء يمكن أن يصنع ضجيجاً ويضغط على أعصاب الشعب في اتجاه البحث عن لقمة العيش وهذا من أبجديات سياسة العسكر.
وعند العسكر يمكن ان يعمل الغلاء كوسيلة من وسائل المونتاج السياسي إذا جاز التعبير فيضغط بثقله على كاهل الشعب لينسى مشهداً يراه العسكر جديراً بالنسيان, وتُستخدم الأزمات للتغطية على الأزمات السابقة وهكذا تتحول مشاهد الحياة السياسية إلى ما يشبه حلقات مسلسلات السيتكوم التي تجعلك الحلقة الجديدة تنسى محتوى الحلقة الماضية, أو كبرامج المقالب التي تستضيف الممثلين. ويصبح كل شيء كدوامة من المشاهد السريعة المتتابعة التي تُعرض على شاشة عرض عملاقة.
في شهر مايو السنة الماضية كتبت مقالاً هنا شرحت فيه لماذا ادعو لمقاطعة نتخابات الانقلاب, وكنت قد راهنت في دعوتي هذه على أن عسكري الانقلاب قد جفف الحياة السياسية في مصر تماماً وأنه نتيجة لهذا ولأن الأوضاع الاقتصادية قد بلغت درجة مرعبة من التردي فإنه لابد أن يؤدي هذا الانسداد إلى عزوف الشعب عن المشاركة انتخابات الانقلاب وكان تفكيري أنه من الضروري ان يظهر أمام الجميع كشخص فرض نفسه بالقوة وأنه غير مرفوض شعبياً وأن احداً لا يريده وهذا في حد ذاته نصر سياسي يمكن البناء عليه. ولا شك ان الاجراءات العنيفة التي اتخذها ضد عنان بعد أن بعث ترشحه بعضاً من الأمل لدى أخلص من دعموا الانقلاب من البداية, قد اضافت إلى هذه الحالة من الانسداد واعادت كل شيء إلى المربع صفر وزادت العازفين عزوفاً.
من ناحية أخرى تكشف هذه الحالة التي بعثها ترشح عنان لدى داعمي الانقلاب, عن أن الانقلاب نفسه قد جف سياسياً وانتهى شعبياً ولم يعد يتمتع باي ظهير