مجزرة رابعة والمجازر التالية عليها لم تكن عشوائية أبداً.
كانت مجزرتا الحرس الجمهوري والمنصة، مجازر تمهيدية الهدف منها قياس رد الفعل الشعبي في ظل سيطرة إعلامية كاملة. يمكن القول بغير كثير من التجاوز أن مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة كانتا اختبارا لستارة الخداع الإعلامي الذي تطلقه قنواتهم.
الإعلام خدر المصريين بل كل الشعوب العربية منذ بداية انقلاب 1952 وحتى هزيمة يونيو 1967.
بل لقد نجح الإعلام في أن يخلق لك عالما وهميا تعيشه أنت وحدك.
الإعلام هو من استطاع أن يجعلك تظن أن حرب أكتوبر سابقة التجهيز كانت تخطيطاً وخداعاً استراتيجياً، الإعلام هو الذي أقنعك أن هزيمة أكتوبر المرتبة بين كيسنجر وديان وصبيهما السادات، والتي أسر فيها العدو 8 آلاف مصري ووصل إلى مشارف القاهرة وعلى بعد أقل من 100 كيلومتر منها، هي نصر للعرب.
الإعلام الذي استطاع تخديرك طيلة عقود منذ انقلاب 1952 إلى الآن هو نفسه الإعلام الذي استطاع أن يقنعك أن متظاهري الحرس الجمهوري هم من قتلوا بعضهم البعض.
بحث أسباب تصديق البعض للإعلام وتكذيب أعينهم قد يحتاج إلى دراسة نفسية وتاريخية وإعلامية طويلة لا يتسع لها هذا المقام، إنما يمكن القول اختصارا إن من صدقوا أكاذيب الإعلام صدقوها لأنهم أرادوا أن يصدقوها.
الرغبة في الانخداع التي تخفي خلفها الخوف من تحمل تبعات الحقيقة.
الزوج المخدوع الذي يصدق تبريرات زوجته الخائنة، لأنه يريد أن يصدق، لا يريد أن يعترف لنفسه أنه مخدوع، لا يريد أن يهدم حياته المستقرة. في ركن منزوِ من نفسه يعلم أن زوجته خائنة وأنه مخدوع ولكنه يقنع نفسه بالاستمرار لأنه لا يتحمل تبعات مواجهة نفسه.
البعض يدرك أن الانقلاب لم يكن ليتم لولا البنتاجون ورضا الموساد ولكنهم يتعامون عن الحقيقة حتى لا يدفعوا ضريبتها الباهظة.
يعلمون أن رابعة لم تكن مجزرة عشوائية، وربما قرأ بعضهم عن مجزرة شابلا التي ارتكبها الجيش والشرطة البنغاليان قبل أقل من ثلاثة أشهر من مجزرة رابعة وأدرك أن الروح الشيطانية التي دبرت مجزرة شابلا هي نفسها التي حركت العسكر لارتكاب مجزرة رابعة، فتفاصيل المجزرتين تكاد تكون متطابقة.
في شهادتها نقلت ابنة الرئيس حواراً دار بين الدكتور سليم العوا وعسكري الانقلاب بتاريخ 2\7، كان الأول يحاول فيه إقناع الأخير بالقبول بمبادرة الرئيس مرسي, فرد عليه عسكري الانقلاب قائلاً: “أنا بعمل انقلاب عسكري يا دكتور عارف يعني إيه انقلاب يا دكتور سليم، يعني مينفعش أسيب حد منهم على وش الأرض”.
كانت الوحشية المفرطة إذاً تهدف إلى كسر إرادة معسكر الثورة.
وكان العسكر يسمحون للإعلام بالعمل على جانبين, فمن ناحية يسمحون للإعلام الرافض للانقلاب بتسريب أخبار وصور المجزرة لتوفير الردع النفسي اللازم لمعسكر الثورة، ومن ناحية أخرى يغرقون جمهورهم في شلال من الأكاذيب عبر إعلامهم ليوفروا لهم المخدر النفسي اللازم لإسكات ضمائرهم.
ولما لم تكن مجزرة رابعة كافية لردع معسكر الثورة, فكانت مجزرة رمسيس ثم كانت مجزرة عربة الترحيلات.
وفيما بعد تولت أجهزة المخابرات الغربية والمخابرات الروسية (بحسب اعترافات المدعو طارق حجي نقلاً عن بوتين كما قال للدكتور جمال حشمت في رسائله) مسؤولية تبريد روح القصاص وإطفاء جذوة الثورة.
ففي البداية وبعد مرور فترة المجازر الوحشية المتعمدة والأنباء غير المعقولة عن التنكيل بكل من يرفع علامة رابعة (خذ عندك مثلاً خبر القبض على إخواني رفع علامة رابعة بعد أن شاهده طيار إف 16 أثناء طلعة تدريبية !!!!!)، جاء دور المنظمات الحقوقية لتحقق انتصارات على الورق لمعسكر الثورة وتحاول امتصاص بعض من غضبه.
فكان تقرير هيومان رايتس ووتش الذي تنفس الكثيرون بعده الصعداء، بعد فترة من قمع وحشي بدأت تخفت وقتها تدريجياً بإيقاع غير ملحوظ.
محاولات لإطفاء جمرة رابعة في النفوس.
ثم جاءت بعد ذلك خدعة الاصطفاف. توجيه الدعوة لمعسكر متماسك ملتف حول هدف عودة الرئيس مرسي والقصاص من القتلة للاصطفاف!!
وهو يشبه أن ترى منزلك مرتباً، فتقول لزوجتك رتبي المنزل!
كانت الأجهزة التي تقف خلف تلك الألعاب تتوقع الفوضى التي ستحدث في معسكر الشرعية وتقصدها تماماً ثم خدعة الحل السياسي الوهمي عن طريق السعودية، وحملة العلاقات العامة الشرسة التي هدفت للإيحاء للجميع بقرب حل سياسي يعيد الشرعية حتى أفاق الجميع على صفعة تيران وصنافير.
مخابرات العسكر من جانبها قامت بمناورات شبيهة ضد معسكر الثورة وإن كانت مناورات أقل ذكاءً وأكثر انفضاحاً من الألعاب الغربية، فأطلقوا رجلهم هشام جنينة قبل ذكرى 25 يناير ليتحدث عن مستندات فساد ثم لعبة خالد علي الذي قام بصرف متظاهري تيران وصنافير مع وعد برفع قضية أمام القضاء الشامخ!!
الانتباه لتلك الألاعيب في نظري هو صمام الأمان الأول لنجاح الثورة وإزالة حكم العسكر.