تصور ما الذي يشعر به شاب يسافر إلى بلد آخر ليجلس عدداً من الساعات يستمع فيها إلى شخص قام بانقلاب منذ عدة سنوات ثم ارتكب عدداً من المجازر وهو يحدثه عن المستقبل !
ولتتخيل شاباً من بلد أوروبي على قدر من التطور، يسافر ليستمع للسيسي وهو يكلمهم عن مواقع التواصل الاجتماعي وأخطارها التي يزعمها.
أخبار كوميدية
الحقيقة أنني قمت بجولة سريعة في بعض المواقع الإخبارية الموالية للانقلاب، لأقرأ أخباراً من عينة (إطلاق تطبيق الهواتف الذكية الخاص بمؤتمر الشباب) بالإضافة إلى الأخبار التي تتحدث عن “إقبال” شبابي على حضور المؤتمر من خارج المنطقة العربية، ناهيك عن الأخبار التي تتحدث عن إتاحة الفرصة للشباب الذين لم يسعفهم الحظ بالحضور، بأن يشاركوا في المناقشات عبر خاصية التواصل عن بعد، وهي أخبار كوميدية كما ترى، فما الذي يمكن أن يدفع شاباً أوروبياً للاهتمام بالمشاركة في نقاش يتحدث فيه ضابط انقلابي لا تزيد معلوماته الاقتصادية عن جمع الفكة والنصف جنيه، وفي بلد ربما لا يقرأ عنه سوى أخبار عن مجزرة أو حادثة جوليو ريجيني!
لماذا يجب أن يهتم شاب ياباني مثلاً بمؤتمر في مصر يتحدث فيه ضابط انقلابي ما عن وزن طلبة الجامعة في بلده؟ ما الذي يدفع شخصاً يعيش في بلد ما بأوروبا أن يتابع باهتمام مناقشة تدور في ركن ما في بلد لم يعد على الخريطة؟
من اللطيف تصور شاب يجلس منتبهاً وهو يستمع لحديث عن العلاوة وأسعار البطاطس.
تبييض للسمعة
الحقيقة أنه بعيداً عن هذه الأخبار التي تحاول إقناعك بأن العالم يقف على أصابعه ويقضم أظافره ترقباً وأن الدنيا تحبس أنفاسها في انتظار ما ستسفر عنه جلسات مؤتمر شرم الشيخ الخطير، بعيدا عن كل هذا الجو المصطنع، فإن السيسي يبدو مهتماً بالفعل بهذه المؤتمرات. هو يراها، أو على الأقل هكذا أقنعه مستشاروه، أنها وسيلته لتبييض سمعته. هو يحاول بلا كلل أن يصل إلى مرحلة تطبيع العلاقات مع الشعب وهو كمن سبقوه من العسكر يرى أن هذا لن يتم إلا عن طريق مخاطبة الخارج، ولأنه غير قادر على مخاطبة الخارج ولأنه ربما يشعر أن الغرب أصبح يستمع بفتور لكلماته المكررة التي لا يحفظ غيرها والتي يحاول بها اللعب على أوتار مخاوفه، فهو يحاول من وقت لآخر أن يلعب لعبة العلاقات العامة. وهي لعبة لا يجيدها، فسرعان ما تبدأ زلات اللسان وآخرها ما قاله عن أنه يريد أن ينظر الناس للشباب بالبنان!
ورغم هذه الزلات التي لا تتوقف والتي كان أشدها كوميدية ما قاله في مؤتمر للجامعة العربية حين اعتدل ناظراً للحضور ليحدثهم عن الصواريخ البلاستيكية، وعلى الرغم من أنه لا يملك ما يقدمه داخلياً سوى المزيد من القمع والمزيد من شغل الناس بزيادات الأسعار، إلا أنه لا يتوقف عن محاولات تقديم نفسه. ومع كل محاولات التطبيع هذه غير أن هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل والنتيجة محسومة من البداية وهي أن الشعب يتعامل نحوه برفض كامل، وربما لم يحظ شخص بهذا القدر من الرفض والنفور الجماعي من معظم طبقات المجتمع مثل السيسي.
حالة من النبذ الشعبي الكامل تصاحبها حالة من اللامبالاة بسبب كل هذه الضغوط التي لم يتوقف العسكر عن ممارستها على الشعب طيلة السنوات الخمس الماضية التالية للانقلاب. وربما يعي السيسي حالة الرفض هذه ويظن أن مؤتمرات كمؤتمر شرم الشيخ هي طريقه للنفاذ عبر هذا الرفض الشعبي الجارف إلا أن السيسي يبدو في واد والشعب في واد آخر. يبدو هو منشغلاً بشدة في قيادة الدراجة وإسداء نصائحه للشباب حول برامج التوك شو والوزن الزائد بينما يبدو الشعب منهمكا في طاحونة البطاطس.