آيات عرابي تكتب | سيد قطب الصحوة الاسلامية … حسان الصحوة الأمنية

 
خمسون عاماً مرت على استشهاد الشيخ سيد قطب, خمسون عاماً مرت على تلك الصورة الباهتة للرجل وهو يخطو مهيباً نحو المشنقة والتي تبدو فيها السماء مكفهرة تلعن العسكر وتشتكي إلى ربها سفك دم الرجل لأنه قال ربي الله. 

لم يكن سيد قطب رجلاً عادياً, ملامحه الهادئة لم تكن تكشف العواصف الفكرية التي تعتمل في داخله.
خطورة سيد قطب على العسكر والعلمانيين في نظري تنبع من أنه يمثل حالة قابلة للتكرار, لغم قابل للانفجار في أي لحظة, فالرجل تحول في امريكا من النقيض إلى النقيض, من رجل مؤمن بأفكار حزب الوفد (وهو حزب صنعه الاحتلال البريطاني وصنع أفكاره الليبرالية المتصالحة مع الاحتلال ليصبح بديلاً عن أي كيان إسلامي وهو ما يشبه نزع رصاصات المسدس ووضع رصاصات فشنك مكانها) إلى مؤمن بالخلافة ومصلح يرى الجاهلية التي يحاولون فرضها على المجتمع.
أن تكتشف ذاتك فجأة, من جملة من مشهد, من صورة, من حوار مع أحدهم.
وإن كان الشهيد حسن البنا هو من أيقظ المسلمين في مصر ورصهم صفوفاً وحارب بهم الكيان الصهيوني ومثل أول تهديد حقيقي على مخططاتهم, فالشهيد سيد قطب كان أول من ضرب بمعوله صنم الدولة القومية بكتاباته.

قبل حسن البنا لم يكن أمام المسلمين سوى حزب الوفد الذي صنعه الاحتلال البريطاني, فإذا بهم أمام واقع جديد تشكل في بضع سنين وتحول إلى جيش يحقق الانتصارات على العصابات الصهيونية في فلسطين, ثم جاء سيد قطب ليكشف بكتاباته المتعمقة أن انتكاسة المسلمين في فلسطين ونجاح النقراشي نسبياً في سحب الإخوان المسلمين من فلسطين واحتوائهم نسبياً عن طريق الاعتقالات وحل الجماعة, انما جاء نتيجة لبقاء تلك المؤسسات الصنمية التي أسسها الاحتلال في مصر.

كان الشهيد سيد قطب يمتلك بصيرة حادة, فتنبأ قبل انقلاب 2013, وقبل طلعات الطيران شبه اليومية التي تُحرق فيها منازل سيناء ويُقتل فيها المصريون هناك وقبل أن يتحول جيش النظام السوري إلى بندقية تُصوب نحو مسلمي سوريا, بأن هذه الجيوش ليست للدفاع عن المسلمين بل للدفاع عن اليهود وقتل المسلمين.
تنبه سيد قطب مبكراً إلى ضرورة إزالة ذلك الورم السرطاني حتى تتحرر مصر, وهو الدرس الذي استوعبه قبله صلاح الدين الأيوبي فعمل على تدمير وتفكيكه جيش العبيديين في مصر قبل أن يتجه لتحرير بيت المقدس.
حسن البنا كان الجراح الذي تحرك بمشرطه نحو الجزء الظاهر من الورم في فلسطين وسيد قطب كان الطبيب الذي شخص أصل الورم. الرجلان كانا ولا يزالا السيفين المتقاطعين الذين تحتاجهما الحركة الإسلامية الآن. التنظيمي والتنظيري, الحركي والفكري.

وبعد أن تمكن المقبور عبد الناصر (بتخطيط أمريكي صهيوني) من امتصاص قوة جماعة الإخوان المسلمين وأكمل المقبور فيصل عملية الاحتواء وجعل من الخليج داراً للنقاهة لمن تبقى من جماعة الإخوان بعد المحارق التي ارتكبها المقبور عبد الناصر في حقهم, كانت أفكار الرجل قادرة على التأثير في الحركة الإسلامية, فكان لابد من تدشين جيل من الدعاة المُدجنين المصنوعين في مكاتب أمن الدولة وسلالم المخابرات, تم استيراد كتالوجهم من آل سعود ليعتلوا موجة الصحوة الإسلامية التي واكبت انتصارات المسلمين في أفغانستان على الاحتلال السوفييتي ومزج ذلك الأسلوب مع أسلوب التعامل الأمني, فخرجت أكاديمية أمن الدولة لفنون الدعوة الاسلامية طابوراً من الدعاة الأمنيين كحسان ومحمود المصري وغيرهم, ليحاصروا الدين في ركن ضيق وليمتصوا جانباً كبيراً من الصحوة الاسلامية.

كان حسن البنا وسيد قطب يمثلان الصحوة الاسلامية بينما كان حسان ومحمود المصري وأشباههم يمثلون الصحوة الأمنية, يمثلون اسلاماً لا يحدثك الا عن نواقض الوضوء والاستنجاء و تهذيب اللحية, ويتعامى عن عمالة مؤسسات العسكر لأعداء الدين.

والآن وبعد خمسين عاماً من استشهاد سيد قطب وبعد 67 عاماً من استشهاد حسن البنا رحمة الله عليهما, ما تزال الثورة تحتاج إلى سيفين متقاطعين مثلهما.