شعب “الجزمة القديمة” لا تتجاوز معلوماته, معلومات أي طالب بالمرحلة الثانوية, بل ربما وجد صعوبة في تذكر مقرر اللغة الانجليزية للصف الثالث الإعدادي.
مستوى تعليمي وعقلي لا يزيد عن ذلك الذي يمتلكه طالب غير متفوق بالمرحلة الإعدادية.
يستطيع أن يحدثك بالساعات عن الموبايل أبو كاميرتين الذي اشتراه له أبوه أو عن خالته التي تعيش مع زوجها في الإمارات والتي وعدته بشراء آيباد.
هو إبن الأستاذ مرعي الكيال ذلك الموظف المرتشي الذي تقابله حين تذهب لختم الأوراق في المصالح الحكومية أو حين تدعو عليك الست والدتك فتضطر إلى استخراج وثيقة ما من سجل مدني ما.
أو إبن تلك الموظفة محاسن عبده أبو خضر التي تعمل عملاً ما في مكتب الميكروفيلم في مصلحة حكومية ما, ربما هي المسؤولة عن ختم شهادات الميلاد أو التأكد من وجود توقيع الأستاذ عبده مدير قسم المستخلصات, وهي وظيفة نحتوا لها اسما معقدا من نوعية ( مسؤولة مراجعة تحرير الصادر ), هو لا يعلم ماذا تعمل والدته ولكنها تعمل عملاً ما في تلك المصلحة وهو عمل لا تتقاضى عليه راتباً أصلاً سوى بضعة ملاليم في نهاية الشهر والحكمة من هذه النوعية من الأعمال هي إنقاذ المتسولين من برودة الرصيف, ولكن محاسن أبو خضر هناك منذ أن توسط لها فلان بيه الذي رق لتوسلات والدها عبده أبو خضر, المهم سواء كانت والدته محاسن أو كان والده مرعي, أنه التحق بكلية الشرطة.
محاسن ومرعي وضعا ذلك الهدف نصب أعينهما منذ البداية, ستنسج شبكة من العلاقات مع (الناس المهمين) وستدخر مبلغاً كبيراً من المال يتيح لها إلحاق إبنها بكلية الشرطة أو كلية الحربية.
سرحت محاسن بخيالها ورأت نفسها تتيه على جاراتها القدامى وهي تروي لهن كيف التحق ابنها بكلية الشرطة, وتصورت كيف سينظرن إليها بانبهار.
مرعي هو الآخر سرح بخياله ورأى نفسه يجلس واضعاً ساقاً فوق الأخرى وبعض (أهل الحته) القدامى يجلسون أمامه يطلبون وساطة ابنه (الضابط) في حل مشكلة ما بينما يستمع هو إليهم ثم يهز رأسه في وقار واعداً إياهم بعمل كل ما في وسعه (وربنا يعمل اللي في الخير).
أخيرا ستحظى محاسن ببعض الاحترام, وأخيراً سيتحول مرعي إلى محور اهتمام (أهل الحتة القدامى).
حتى بعد اندلاع الثورة لم يفت هذا في عضد مرعي أو محاسن, الإثنان أصرا على إلحاق أولادهما بكلية الشرطة والكلية الحربية.
حاتم هو الآخر سعيد بالإلتحاق بكلية الشرطة, فسيصبح من أصحاب السلطة, ولن يتجرأ رفاق الطفولة الذين طالما (زفوه) وهو طفل أو ضربه بعضهم, على السخرية منه.
مؤنس القصير القامة الذي اعتاد زملاؤه السخرية من مظهره, التحق هو الآخر بالكلية الحربية بعد أن دفع مرعي والده مبلغاً ضخماً لذلك اللواء الذي زاره حاملاً هدية فخمة.
مؤنس الآن يطارد العزل ويحرق العشش ويقتل البعض في سيناء ويسرع حين يعود من هناك إلى غرفة نومه ليستلقى على بطنه كما كان يرى عبد الحليم حافظ يفعل في فيلم الوسادة الخالية, ليتحدث مع رشا أو (راشا) كما يحلو له أن يناديها ويروي لها كيف (يحارب الإرهاب) في سيناء.
وحاتم يمارس هوايته في سب عابري السبيل والتحرش بهذه وتلك وفرض الإتاوات على قائدي السيارات بعد أن تم تعيينه في المرور وإن هي إلا سنة على الأكثر حتى يدخر ثمن سيارة فخمة.
حاتم هذا لا مشكلة لديه في مقتل صيدلي الاسماعيلية ويرى بخبرته في الحياة التي حصدها بمطالعة كتاب النصوص للصف الثالث الثانوي أن الشعب المصري (متخلف وعاوز ضرب الجزمة القديمة).
وربما يعتقد كل من مؤنس وحاتم أنهما (الجزمة القديمة) التي يستحق الشعب أن يُضرب بها, لكنهما ينسيان أن المرء يغير الجزمة (الحذاء) حين يصبح قديما ويلقيه في القمامة.