نجحت جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمس في أن تجعلني ابتسم. لم اتابع إعلام الانقلاب لرصد تغطيتهم, لكني تصورتها تغطية محتفية بنتيجة التصويت. وما اضحكني في الحقيقة هو تصور المواطن الجالس أمام شاشة التليفزيون يتابع بترقب, كلمات مندوبي الدول ويفرك يده انتظاراً لنتيجة التصويت. ولم يطل انتظاري طويلاً لردود الأفعال, فسرعان ما ظهرت التعليقات (إياها) تتحدث عن دور مصر الرائد وكيف وقفت في وجه ترامب !!!
بعض التعليقات تحدثت عن الأمر باعتباره انتصار, ولا شك أن التغطية على قنوات الانقلاب كانت أشد كوميدية من تلك التعليقات. ولم اتابع تغطية إعلام الانقلاب للموضوع ولا شك أن الأمر كان مسلياً للغاية, لكني مررت بعيني على عدة تقارير في بعض صحف الانقلاب وعلى بيان اصدره احد احزاب الانقلاب قال فيه أن التصويت عكس انتصار الدبلوماسية المصرية فى تحطيم أسطورة القطب الأوحد، وتحدث عن دور مصر … إلى أخره وبعضهم اطلق تصريحات عنترية حول عدم اهتمامه بقطع ترامب للمساعدات ولم اندهش من هذه اللهجة فالاتجاه الانقلابي العام كان واضحاً. وهو اقناع المواطن بأن نتيجة التصويت في الأمم المتحدة هي انتصار مبهر. الجو في المجمل كان حماسيا ( أو على الأقل هكذا أرادوه أن يبدو ) إلى درجة انني كدت اتساءل, هل كانت هذه جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة أم جامعة الدول العربية ؟
ما كل هذه الكميات من الأدرينالين التي اراقها القوم ؟
أحد تعليقات المواطنين (إياهم) اتهمني بأني اتميز غيظاً وكمداً واتجاهل (الانتصار) الذي حققه الانقلاب !!
الأجواء الحماسية المشتعلة واللهب المتصاعد من التحليلات السياسة ونغمة الانتصار التي عزفوها, كادت تجعلني أرى (المجد يملأ قلوبنا) و (النصر يكسو رايتنا) كما تقول كلمات أوبريت (الوطن الأكبر) الشهيرة. والمواطن المنتشي بالانتصار ربما لم يلحظ أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم وربما لم يتذكر أن نتيجة التصويت ستستقر بجانب القرار 242 الشهير الذي اصدره مجلس الأمن شخصياً بعد هزيمة 1967 والذي يتحدث عن اعادة الأراضي التي احتلتها اسرائيل. وهو قرار يندر أن تجد من لم يسمع عنه, فالقرار يعد احدى كلاسيكيات الرطانة السياسية الرسمية العربية. ومن اللطيف والمحبط في نفس الوقت أنه في يوم التصويت في الأمم المتحدة بالأمس يكون قد مر شهر على بلوغ القرار 242, خمسين عاماً فالقرار صدر في الثاني والعشرين من نوفمبر 1967, فهل عادت الأراضي التي تحدث عنها ؟
ورغم كل ما أحاط التصويت بالأمس, من ظروف عجيبة من بينها التهديدات الأمريكية بقطع الدعم المالي عن الدول التي ستصوت ضد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل, ورغم ان ترامب بدا وحده مع عدد قليل من الدول الصغيرة, إلا أنني لست من المنبهرين بالنتيجة ولست أصلاً ممن يحسنون الظن في القرارات الدولية. أقصى ما يمكن أن يفعله المواطن المنتشي من الانتصار بعد هذا التصعيد اللفظي والاحتفاء الوحشي بقرار لا يلزم أحداً هو أن يلتقط صورة تذكارية بجانب تصويت الأمس والقرار رقم 242 ثم ينام قرير العين.