النغمة التي تظهر للسطح دائمًا، ثم تعود لتختفي، ثم تظهر من جديد كالفقاعة، على فترات تتباعد أو تتقارب هي نغمة الاصطفاف الثوري.
والحقيقة أن نغمة الاصطفاف الثوري تخطئ في اتجاهها وفي مضمونها، فتحالف دعم الشرعية ظل يدعو شهورًا للاصطفاف الثوري ولم يستجب له أي من الفصائل، حتى عندما رد البعض؛ جاء ردهم قاطعًا: تنازلوا عن عودة مرسي حتى نصطف معكم!
المهم أن نغمة (الاصطفاف الثوري) غطست فترة ثم عادت للظهور من داخل المعسكر الرافض للانقلاب، وصحيح أن الدعوة نفسها لم تجد صدى واسعًا، لخلوها من المضمون ولعدم وضوحها، الا أن مرددي مصطلح الاصطفاف أكثروا من ترديده في الفترة الأخيرة. والحقيقة أنهم وقعوا في خطأين: الأول أنهم لم يفصحوا عن (الشروط المفترضة) لذلك الاصطفاف الذي يدعون إليه، والثاني هو أنهم لم يفصحوا عن الجهة أو الجهات التي تُوَجَّه لها تلك الدعوة.
الاصطفاف يجب أن يكون حول هدف أو عدة أهداف، فهلا شرح لنا السادة المصطفون ثوريًا ما هي الأهداف التي يدعون للاصطفاف حولها؟ لستُ في الحقيقة ضد حالة الاصطفاف، ولكنني أرفض إطلاق المصطلحات الغامضة براقة المظهر الفارغة من المضمون.
إطلاق المصطلح عادة ما تصحبه موجة من اللمز للرئيس مرسي أو تكرار لمرثية محمد محمود، وهي نغمة معتادة أصبحت تثير حفيظة الرافضين للانقلاب من خارج الإخوان المسلمين، ومن خارج الفصائل الإسلامية عمومًا، وهو ما يلقي بظلال سلبية على دعاوى الاصطفاف نفسها، ويزرع المزيد من الشك حول غرضها الحقيقي.
وهناك بطبيعة الحال من يصرح بأن (الاصطفاف) الذي يدعو إليه يعني التخلي عن المطالبة بعودة الرئيس الشرعي محمد مرسي، وهؤلاء مريحون لأنهم يوفرون عليك الوقت الذي من الممكن أن تقضيه في التخمين، ويمكنك أن ترد عليهم صراحة بموقفك المتشبث بعودة الرئيس.
أما الآخرون؛ فالحوار معهم عبثي يدور حول لا نقطة يخشون هم أنفسهم من اقتحامها! وهو ما ينتج حوارًا عبثيًا خاليًا من المضمون حصيلته صفر؛ فتجد المصطف ثوريًا يقول “تعالوا نصطف ثوريًا!” طيب، وماله الاصطفاف حلو برضه، بس نصطف ازاي؟، “أبدا تعالوا نصطف وكفاية خلافات”، طيب موافقين بلاش خلافات، بس قول لنا نصطف ازاي! ممكن؟، “الثورة مش هتنجح إلا بالاصطفاف!”، يا ابني فهمنا وجهة نظرك، قول لنا إنت عاوزنا نصطف ازاي؟ “مرسي غلط كتير على فكرة والإخوان باعونا في محمد محمود!”. هذا هو الحوار العبثي الذي يدور عادة مع الكثيرين من دعاة (الاصطفاف)، وهو حوار بطبيعة الحال لا يصب إلا في صالح المزيد من الفرقة، التي لا يستفيد منها إلا عصابة الانقلاب.
الفكرة (كما يصدرها البعض) تحمل بذورًا إقصائية، فما تفهمه في نهاية الحديث مع أحد هؤلاء المصطفين غامضي الأهداف، هو أنهم لا يرحبون بعودة الرئيس مرسي، وخشية هؤلاء من التصريح بتلك الفكرة والاكتفاء بلمز الرئيس ونقده هي أبلغ رد عليهم، فإنك لم تخش التصريح برفضك لعودة الرئيس مرسي، إلا لأنك تدرك أن عودته هي أهم أهداف المعسكر الثوري الآن، وتخشى بالتالي من الاصطدام بذلك المعسكر.
الحقيقة الأولى التي يجب على هؤلاء المصطفين ثوريًا إدراكها، هي أن الرئيس مرسي يساوي إرادة ملايين المصريين، وعندما أتشبث بعودة الرئيس، فإنني في الحقيقة أخوض معركةً دفاعًا عن اختياري الشخصي.
عودة الرئيس مرسي يا سادة ليست مطلبًا عاطفيًا (مع حبنا وتقديرنا لشخصه)، وليست فقط لأننا مقتنعون بأنه كان سينجح إن أخذ فرصته كاملة، وليست فقط لعشرات الأسباب التي ترجح كفة الرجل على من سبقوه من رؤساء خانوا الله في هذا الشعب.
عودة الرئيس مرسي هي هدف من أهداف الثورة من الناحية السياسية، لأنها ترجمة لانتصار إرادتنا على إرادة العسكر. الاصطفاف الحقيقي هو الاصطفاف حول الأهداف التي يطرحها المعسكر الثوري بوضوح منذ الانقلاب، وعلى رأسها عودة الرئيس مرسي.