حديثي عن الرئيس أردوغان ليس لأنني أسعى لتقييم تجربة الحكم (الإسلامي) كما يسميه البعض في تركيا
لأن طبيعة حكم حزب العدالة والتنمية التركي لا يعدو سوى تجربة زرعت زرعاً لتبدو أمام الجماهير المتعطشة لحكم إسلامي على أنها تجربة حكم إسلامي ناجحة
وللرئيس مرسي رحمه الله مقالا في عام 2007 يصف التجربة التركية بانها غير إسلامية
وهذه التجربة كان هدفها تقديم نموذج إسلام معهد راند لتصبح نموذجا يتم تعميمه فيما بعد في ماليزيا وفي تونس وفي المغرب بالاضافة الى تركيا وهو نموذج الإسلام العلماني وليقطع بتلك التجربة الأمل تماما أمام المسلمين في إقامة حكم إسلامي حقيقي خالي من الشوائب
أنا لا أهاجم الرئيس أردوغان بقدر ما أحاول كشف التجربة نفسها أمام الجمهور المنخدع لعله يفيق ويسعى لإقامة حكم إسلامي حقيقي وليس إسلام معهد راند الذي يقدم للجمهور
نموذج الإسلام التركي كان هو المشروع الذي عرضه جورج بوش الإبن على الرئيس أردوغان في لقائه معه عام 2004 وكان هذا المشروع يهدف لجعل تركيا العمود الفقري للإسلام العلماني للترويج لنموذجها الديمقراطي لدرجة ان بوش اقترح وقتها أن تبادر تركيا الى ارسال وعاظ وأئمة الى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لكي يتولوا التبشير بالنموذج المطبق في بلادهم.
كلامي عن أردوغان ليس الهدف منه إسقاط تركيا كما يدعي البعض ولا حتى استطيع إسقاط تجربة تركيا ولا أحد يستطيع ولا ما اقوله يؤثر مطلقا في الداخل التركي فتجربة أردوغان محمية تماماً ويحميها النظام العالمي نفسه وحين يريد النظام العالمي التخلص من نظام أردوغان لن يحتاج لصحفية للقيام بتلك المهمة بل في استطاعته أن يجند جيشا من الصحفيين وأن ينشئ قنواتاً متخصصة لذلك
ولكني أكشف دور أردوغان الذي يعد هو الآخر جزء من منظومة الشرق الأوسط الكبير (وهذا ثابت وأردوغان نفسه اعترف بهذا) وله دور محدد وهو أن يظهر بصورة الـ ( Good Guy) في مقابل السيسي وبشار وحفتر وابن زايد وابن سلمان الذين فرض عليهم مخرج عرض الشرق الأوسط الكبير ان يكونوا الـ ( Bad Guys ) لاحتواء أي غضب يمكن أن تقوم به الشعوب المسلمة تجاه إسرائيل
ولكن ان بحثت جيدا وسط هذه الصورة التي يسوقونها لك ستجد ان أردوغان الذي يطلق تصريحات نارية في مجملها دفاعه عن القدس وأنها خطا أحمر وأنه سيعمل على إنهاء سياسات الاحتلال الصهيوني القمعية والإبادة الجماعية التي يقوم بها تجاه الشعب الفلسطيني يسمح في الوقت نفسه بفتح عدة قنوات سرية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل (التي لم تنقطع أصلا)
ففي الوقت الذي يصرح فيه أردوغان بسعيه لإقامة دولة لفلسطين تجده يرسخ للاحتلال الصهيوني ويقول ان الدولة الفلسطينية ستكون على حدود 67 وأن عاصمتها ستكون القدس الشرقية
وفي الوقت الذي يهاجم فيه أردوغان نتن ياهو تجد موقع المونيتور الأمريكي ينشر عن رئيس جهاز المخابرات التركية وذراع أردوغان المقرب له (هاكان فيدان) واتصالاته السرية مع مسئولين إسرائيليين في إطار جهود تركية لتطبيع العلاقات التركية الاسرائيلية بعيدا عن الاضواء وتحت ستار من التصريحات عالية اللهجة ضد الاحتلال الصـ هيوني
وفي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس أردوغان في العلن بإطلاق هذه التصريحات يقوم وزير خارجيته بعقد لقاء بالاشتراك مع عدد من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك واليهود لدعم التعاون التجاري والصناعي والتكنولوجي بين البلدين
وفي الوقت التي تعمل تصريحات أردوغان على تخدير الشعوب العربية تجد المجرم نتن ياهو يسخر من تصريحات أردوغان في حين أن علاقات التجارة بين البلدين في نمو وازدهار حين قال بالحرف الواحد “ربما أكون أنا الاسرائيلي الوحيد الذي لم يزر تركيا”
والعجيب أن الناس لازالت تصدق هذه الألعاب وترفض أن تصدق أن الرئيس أردوغان الذي رفض ان يجلس بجانب السيسي القاتل هو نفسه الذي اعترض حين فرضت امريكا عقوبات اقتصادية على إيران المجرمة التي قتلت ملايين المسلمين في العراق وسوريا
كانت نتيجة اعتبار البعض اردوغان اسلامياً حتى الآن هو مجموعة من الكوارث
تفريغ شمال سوريا من السكان لصالح مشروع الشرق الأوسط الكبير (صفقة القرن)
تثبيت نظام بشار في الحكم في سوريا بعد ان قتل مليون مسلم
* منذ 2012 وحكومة أردوغان تحرض السوريين على التفاوض مع الروس حتى قبل ان يظهر الروس في اللعبة (شهادة أحد المفاوضين السوريين في إحدى حلقات الاتجاه المعاكس)
علما بأن عملية تفريغ سوريا من السكان استغرقت 7 سنوات لعبت فيها تركيا الدور الاكبر والذي يفوق بمراحل دور مجرم الانقلاب في دعم المجرم بشار واستمرار بشار هو أكبر دليل على كلامي
ما فعله المـ جـ رم السيسي هو انه ارسل طياريه لقتل السوريين من مطار حميميم وما فعله الـ مـ جـ رم بن زايد هو انه مول الضربات الروسية على سوريا ولكن ما فعله أردوغان في سوريا من وجهة نظري كان اخطر من كل هذه الادوار مجتمعة, حيث منع فصائل المعارضة السورية من إسقاط بشار وضغط عليهم للدخول في اتفاقات خفض التصعيد والتي سلمت على اثرها اكثر المدن السورية المحررة وفي النهاية سلم 3 مليون مسلم لبشار في ادلب عقب اتفاقية سوتشي المريبة
ثم انه لم يخرج من سوريا الا بعد ان اصبحت المنطقة المتاخمة لحدود تركيا مع سوريا كلها تحت سيطرة الميليشيات الكردية الانفصالية رغم انه كان يقول ان جيشه يحارب الانفصاليين الاكراد وهذه الخطوات تتفق مع (دراسة استراتيجية اسرائيل في الثمانينات)
إلى جانب الدور الخبيث الذي لعبته تركيا في الملف الليبي الذي يعلمه الجميع
هذا فقط جانب بسيط من الدور الذي يلعبه أردوغان
وهذا الدور كان مستحيلاً لولا انه تم تقديمه للجمهور العربي وتم صناعة جمهور يبرر له كل ما يفعل بالسياسة وغيره بل إن هذا الجمهور أصبح ينظر للتجربة التركية على أنها تجربة ناجحة لدولة إسلامية
نحن لا نريد منه أن يحارب الجميع كما يحلو للبعض ممن يعلق على منشوراتي عن أردوغان
ولكن نريد منه ألا يستمر في هذا الخطاب الشعبوي الذي يضر المسلمين أكثر مما يفيدهم ويجعلهم يجلسون في أماكنهم أمام الشاشات انتظارا للخليفة المؤمن أردوغان الذي يظهر بين الفينة والأخرى ليقدم وعوده السخيه بأنه سوف يحرر القدس أو أنه سيعمل على إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين عاصمتها القدس الشرقية (وهو في هذا يلتقي مع تصريحات شاويش الانقلاب ومع مشروع سلمان)
لا أريد للجمهور العربي المسلم أن يعتقد أن بناء أكبر جسر وعليه جملة (بسم الله الرحمن الرحيم ) والسماح للمسلمات في تركيا بارتداء الحجاب بلا قيود وبناء المساجد وتحويل الكنائس إلى مساجد هي أقصى أمانيهم في الدولة الإسلامية
أما من يتحدثون عن عداوة الغرب له فلو كان هناك عداوة حقيقية لأردوغان لما استمر أردوغان في الحكم منذ أن كان رئيسا لوزراء تركيا ثم رئيسا لتركيا
وليكن معلوما لحضرتك أن النظام العالمي حين يريد التخلص من موظفيه يقوم بذلك بصورة تبدو طبيعية تماما أمام شعوبهم مثلما حدث من قبل حين تم التخلص من عبد الناصر والسادات وفيصل ومبارك وياسر عرفات وغيرهم من الموظفين ولن يحتاج لآيات عرابي التي لا تملك سوى صفحة فيسبوكية لا تصل منشوراتها للمشتركين في معظم الوقت بسبب سياسة الفيسبوك القمعية التي لا تريد للحقيقة أن تظهر
وحين تصدر الأوامر الأمريكية بالتخلص من أردوغان ستجد المعارضة التركية تشتعل ضده وبشكل مفاجئ لتعمل هي على إسقاطه وبشكل قانوني عن طريق الصندوق الانتخابي وبطريقة تليق به وبالخدمات التي قدمها للنظام العالمي وبما يحفظ له ماء الوجه كرئيس مثلما فعلوا مع الهالك المخلوع (مبارك) ولن يحتاجوا لآيات عرابي