السبب الرئيسي في انتقال التيارات الاسلامية من فشل إلى فشل هو استسلامها لفكرة الدولة
شكل نظام الحكم الذي تم تمريره عبر إعلام الدولة على أنه نتاج تطور وهي فرضية ابتلعها التيار الإسلامي كله
والحقيقة ان شكل الدولة فُرض بالحديد والنار منذ قرنين
وتمت صناعة هيكله الأولي خلال عهد العميل محمد علي وبإشراف فرنسي كامل
وفي تلك الفترة خرجت أفكار المحافل الماسونية عن الدولة وشكل نظام الحكم.
لتحفر نفسها حفراً داخل أرض من أراض المسلمين
واتخذت فكرة الدولة شكلها النهائي خلال الفترة التي تلت عهد محمد علي ويخطيء من يظن ان الاحتلال البريطاني لمصر هدم ما بدأته فرنسا بل الحقيقة أنه بنى عليها
المهم أن التيارات الاسلامية وقعت في فخ فكرة الدولة واستسلموا لأكذوبة ان (الدولة العلمانية الحدودية) هي مجرد تطور تاريخي لأشكال نظام الحكم
استسلموا لهذه الفكرة وأخذوها كما هي دون أدنى محاولة للبحث أو الدراسة السياسية وبنوا عليها
وبالتالي صارت التيارات الاسلامية هي اسلام الدولة الذي يعمل في اطارها
وفي مركز الخلافة العثمانية بدأت تغيرات مماثلة تحدث في نفس فترة محمد علي
ويمكن القول أن شكل الدولة العلمانية الحدودية قد اكتمل في مصر قبل تركيا لكن فكرة صناعة المؤسسات سارت تقريبا بالتوازي في الاقليمين
وما ان بدأ القرن العشرين حتى كانت بتركيا نفس المؤسسات العلمانية (وعمودها الفقري الجيش الإلزامي) كما بمصر تماماً
لم تبذل التيارات الاسلامية أي جهد لكشف حقيقة فكرة الدولة الحدودية العلمانية وترتيب حاضنة شعبية واعية لخطورة فكرة الدولة والمؤسسات .. الخ
وبالتالي امكن أن يتسرب نموذج الدولة الناجحة في تركيا (وهو نموذج غير حقيقي)
وحتى التجربة التركية هي تجربة غير اسلامية فاردوغان نفسه يصر في كل مناسبة على علمانية الدولة
(الرئيس مرسي له مقال في 2007 حين كان عضوا بمكتب الإرشاد, يصرح فيه بالاختلاف مع حزب أردوغان في الأصول والثوابت ويقول ان هناك اختلافا كليا بين الحركتين (يقصد الإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا) ومما قاله في مقاله “وحزب العدالة والتنمية التركي يعلن موافقته ورضاه على علمانية الدولة بالمفهوم الغربي المعروف ويختلف عن هدفنا الأساسي الكبير”)
بينما لعبت الدعاية دورا رهيبا في حشد الجماهير حول النموذج التركي باعتباره غاية المراد والحقيقة انه ليس حزباً اسلامياً اصلاً بل هو حزب محافظ يندمج في النظام العلماني التركي ويقدم ايديولوجية قومية تركية لا علاقة لها بالإسلام ويصرح بعلمانية الدولة
رغم ان التجربة اثبتت انه حتى من الناحية الاقتصادية فإن الاقتصاد التركي يتبع الاقتصاد الربوي العالمي ولا علاقة له بالإسلام وأن سعر الليرة انهار بتغريدة من ترامب وعاد ينتعش حين رضى ترامب
والاقتصاد التركي مرشح للانهيار مع أي صدام مع النظام العالمي
الخلاصة انه لم توجد حتى الآن تجربة اسلامية خلال المائة سنة التي اعقبت اسقاط الدولة العثمانية (آخر أشكال الخلافة)
وان هذا الفشل يرجع اساسا الى عدم وضوح حقيقة ان شكل الدولة العلمانية (أو دويلات سايكس بيكو) هو شكل فرضه الاحتلال وان هذا الشكل فرض أساسا ليكون شرطيا على الاسلام ويحاصره وأنه لا يسمح داخل هذا الشكل للتيارات الاسلامية الا بفترات راحة (مثل عهد السادات) تحصد فيها التيارات الاسلامية مكاسب شكلية سرعان ما تتلاشى اذا قررت (((الدولة))) اعادتهم الى المربع صفر
وللحديث بقية ان شاء الله