القراءة لأحمد خالد توفيق تشبه مزيجاً من الأشياء
تشبه ما أشعر به مع أطفالي أمام شاشة التليفزيون التي تعرض أحد أفلام ديزني الساحرة والموسيقى تنساب من الشاشة لتفصلنا عن العالم
تشبه رائحة تقلية الملوخية يوم الجمعة وتجمع الأسرة حول مائدة الطعام وفيلم قديم ما تدور أحداثه على الشاشة
الآثار التي يحدثها قلمه في خيالك تبدو كما لو كانت مصنوعة من حجارة الأساطير القديمة, تشتم منها رائحة أوراق الكتب المصفرة في العصور الوسطى, غُمست في مشاهد الأبيض وأسود, جاءت من عوالم ألف ليلة وليلة وغابات أفريقيا, قلم يطلق موسيقى تصويرية لعشرات من أفلام هوليوود الساحرة مع لمسة مصرية محببة
لا اعتقد أن هناك من أفلت من تأثير كتاباته وأسلوبه
من بين جميع الكتاب الناصريين, يحتل أحمد خالد توفيق مكانة هي مزيج بين الروائي والمخرج الهوليوودي والرحالة وراوي الربابة
ولكنه فيما عدا ذلك مواطن تقليدي أكثر من اللازم
لماذا أكتب عن أحمد خالد توفيق ؟
لأنه مهم ومؤثر
هو يصنع جزءاً كبيراً من وجدان الملايين
أريد أن يفرق من يقرأ له بين متعة القراءة وعوالم رواياته الساحرة وبين آرائه السياسية التي تطل برأسها بين حين وىخر في جملة هنا أو رواية هناك
ليحتفظ هو بآراءه السياسية التي اكتشفنا انها كانت هباء, نخجل اننا صدقناها يوماً ولنحتفظ نحن بمتعة قراءة رواياته
لو لم يكن أحمد خالد توفيق يمتلك هذه الموهبة, لما كان من الصعب تصوره وهو يرتدي “جلابية مقلمة” وقبعة رأس من الكستور بنفس اللون يجلس أمام تليفزيون كاترون يشاهد أخبار التاسعة على القناة الأولى منذ عقود, وهو يقوم من جلسته متثائباً لينام حتى الصباح ليلحق بعمله في مكتب حكومي حيث يلقي تحية الصباح على مديره “ابراهيم سعفان” ليجلس على المكتب المقابل لمكتب نوال أبو الفتوح لينهمك الجميع في مناقشة مبادرة روجرز التي يشرح تفاصيلها زميلهم محمود ياسين الجالس في أقصى المكتب ممسكا بجريدة الأخبار
ليس من الصعب أبداً أن يقوم خيالك بتركيب مشاهد لأحمد خالد توفيق وهو منكفيء على راديو عتيق يوم 5 يونيو ليهلل فرحاً بسقوط طائرات العدو كالذباب ثم مشهد له وهو يسير متهدل الأكتاف دامع العينين مطالباً عبد الناصر بعدم التنحي بعد ذلك بأيام قليلة
مشكلة أحمد خالد توفيق هي ان قلمه قادر على أن يجول في عوالم لا يحدها واقع لكن نفسه تأبى أن تفارق أكاذيب الواقع المصنوع إعلامياً
مزاج نفسي تمت صناعته عبر انابيب التغذية التي يشرف عليها الأخ الأكبر منذ انقلاب يوليو وحالة اطمئنان كامل لما يضخه الإعلام الرسمي من أكاذيب
منظومة الإعلام ليست فقط شاشات التليفزيون أو صفحات الجرائد أو موجات الراديو
هي منظومة كاملة من (كتب الوزارة) والأغاني وفتاوى شيوخ الأزهر الرسميين وكتابات المؤلفين وأساطير مصنوعة في مكاتب المخابرات مثل (خير أجناد الأرض) ومسلسلات خيال علمي كرأفت الهجان
وحتى تترات المسلسلات والألحان الموسيقية وكلمات الأغاني ومنظومة ما يسمى بالأعياد الوطنية
آلة عملاقة غير مرئية تعمل على مدار الساعة, خط انتاج ينزع عقلك ثم يعالجه ببعض المواد الكيماوية ثم يطبع فيه بعض المفاهيم بأسلوب الحفر ثم يتعرض للتسخين فالتبريد وفي النهاية يتم تعبئته مرة أخرى في الجمجمة لتصبح المواطن الصالح رقم 98293532
أحمد خالد توفيق لم يفلت من عملية المعالجة العقلية تلك ولا يشعر بها كغيره
عملية غسيل المخي المجتمعي الكبيرة تلك تنزع منك المنظار الذي يجب أن ترتديه
فتصبح كل الظواهر قابلة للتفسير بألف منظار, لا معايير موحدة ولا قواعد عامة سوى قواعد يصنعها المزاج الشخصي او الهوى, المصنوع بدوره في ورش سبك الرأي العام التي تقيد عقلك بكرة من الصلب وتعمل على تغييبك
مزاج مصنوع ليتوافق مع نظام حكم العسكر, مزاج المواطن الآلة دون ان يشعر أنه مجرد آلة
مزاج اسوأ ما فيه أنه يجعل نفسك هشة تجاه الإعلام, فهناك في أعماق نفسك انت مقتنع بأن الكلمة المطبوعة لا تكذب, تعطيها قدسية تقترب من قدسية الدين
كيف يكذبون على التليفزيون !!
هذا مستحيل .. هكذا يفكر المواطن الآلة الذي طبع عقله في تلك الفترة
ربما لهذا السبب كان أحمد خالد توفيق يشعر بعدم التململ وقت حكم الرئيس مرسي .. هو لم يسترح لذلك الشذوذ عن المألوف
رئيس منتخب بلحية !!
رئيس لا يلبس بدلة عسكرية ولا يضع طناً من العلامات النحاسية على كتفيه ولا يرتدي قبعة يعلوها نسر ؟
رئيس بمرجعية إسلامية ؟
ماذا ؟ لا يؤمن بالقومية العربية التي نادى بها المقبور عبد الناصر الذي يعتبره زعيماً ؟
عجيب هذا !
نظام التشغيل الذي تم تركيبه في عقله لم يبتلع ذلك ((الخطأ)) في النظام
هناك خطأ ما
ولهذا السبب ربما خاض أحمد خالد توفيق مع الخائضين مطالباً الرئيس مرسي بانتخابات مبكرة مع ان هذا يتعارض مع ما يقول أنه يؤمن به
وربما لهذا السبب استراح حين وقع الإنقلاب على الرئيس ولا شك أن من بواعث راحته أن الانقلاب جاء من ذلك الجيش
بالتأكيد بات الآن يشعر بالتململ بعد كل الفضائح التي شاهدناها جميعا والمستوى العقلي والنفسي والتعليمي المنحط لقائد الانقلاب لكنه لم يستطع أن يرفع بصره فوق السقف الذي يقيد نفسه ويكبل مزاجه الشخصي
ما يزال يرى القومية العربية الحل السحري
مازال على نفس الضلال الذي صنعته الآلة الدعائية للمقبور عبد الناصر .. ما زال متعلقا بنفس الأساطير
بل ربما شابت قناعاته بعض الميكيافيلية فبات مقتنعاً بأن تحقيق الأهداف الخيالية لما يسمى بالقومية العربية لن يأت الا بمساعدة من دولة عظمى .. ربما امريكا نفسها
ظهر هذا بصورة واضحة في روايته الأخيرة (وعد جوناثان)
ولهذا حديث آخر ان شاء الله