منذ بداية الانقلاب كان السؤال الذي يشغل بالي, لماذا اختار البنتاجون والموساد قزماً قبيح الشكل قصير القامة لينفذوا به الإنقلاب ؟
ولماذا رفعوا عنه غطاء الدعاية الذي تمتع به عبد الناصر ؟
لماذا كانت أكاذيب عبد الناصر تحظى بالتغطية ويغض عنها الأمريكيون الطرف حتى أن احد السفراء الأمريكيين في مصر اعترف بأن هيكل يشتم الولايات المتحدة في الأهرام بعلم الادارة الأمريكية التي كانت تغض الطرف عن ذلك, بينما هم (قاعدين للسقطة واللقطة) مع عسكري الانقلاب الجديد, وينشرون فضائحه على صفحات الصحف الأمريكية رغم حرص الرسميين الأمريكيين منذ البداية على عدم تسمية الإنقلاب بالإنقلاب ؟
وجدت الإجابة على كل تلك الأسئلة تتداعى إلى ذهني وأنا أرى صور عسكري الإنقلاب مع سلفاكير الذي عينوه رئيساً على الفراغ في جنوب السودان بعد ما فصلوه عن الجسد السوداني.
وجدت أنه ربما كان الهدف من هذه الحالة من الغثاثة والتقزم هو ان تتعود العين على الغثاثة والتقزم.
الهدف من البداية كما اعتقد هو أن تتعود أعيننا على زيارات قزمية, وأن تصغر تلك المساحة الذهنية التي تحتلها مصر في عقلك وأن ترى مالطا وقبرص وجنوب السودان أنداداً وأكفاء لها.
أن ترى رئيس جيبوتي الذي لا يختلف كثيراً في خلفياته التعليمية وتدريبه في المخابرات الفرنسية عن عسكري الانقلاب يزور مصر, فتُقام له مراسم الاستقبال الرسمية. وأن ترى سلفاكير حارس الفارغ في جنوب السودان يزور مصر, فيُستقبل رسمياً.
وبعيداً عن تحليل الهدف الحقيقي من وراء زيارة سلفاكير لمصر والذي يبدو على الأرجح مقاولة أنفار جديدة يمد فيها عسكري الانقلاب بأنفار رخيصة جدد ليحاربوا إلى جانب سلفاكير في جنوب السودان, فإن هدف كل هذا من البداية على ما يبدو هو إعادة تشكيل المساحة الذهنية لمصر في عقلك, لتصبح مجرد محطة بنزين صغيرة على طريق صحراوي.
وأن تصغر مصر في عقلك لتصير بحجم عسكري الإنقلاب الذي لا يفتح فمه ليتكلم في أي مناسبة إلا لتنهال عليه النكات.
ولو نظرت إلى مصر لوجدتها كالمنزل الذي غادره أهله ولم تكف أيدي الناهبين عن سرقة محتوياته.
وعسكري الانقلاب لا يكف عن توزيع ثروات مصر على عابري السبيل.
فهذا, عم سيد بواب البناية المقابلة جاء ليحمل الانتريه, وصاحب عربة الفشار على الناصية جاء هو الآخر وتلفت يميناً ويساراً بحثاً عما يحمله, فالدار (ملهاش صاحب) و(الخير كتير).
هذا ينقل الموقد وهذا يحمل دولاب غرفة النوم وآخر يحمل جهاز التلفاز على رأسه والكل يأتي خالياً ويعود مثقلاً بما حمله من الدار والبواب واقف على باب الدار يحمل السلاح ويضحك مازحاً مع من يسرقون الدار.
المرحلة التالية لكل هذا التقزيم المتعمد هي تقسيم غرف المنزل, لتذهب سيناء إلى الكيان الصهيوني ولتُقام دويلة قبطية غرب مصر ودويلة نوبية أخرى في الجنوب.
وبينما تستطيع بقليل من الجهد ان تجد عدداً من الدراسات الخاصة بتقسيم المنطقة في مرحلة ما بعد سايكس بيكو وأن تعثر على ما يخص مصر من تلك الدراسات, فإن الحديث عن تقسيم مصر يبدو للبعض ضرباً من الخيال.
منذ أكثر من سنة ونصف كتبت عن (ترعة أم أنور) التي حُفرت عند القطاع الأوسط من سيناء وقلت أنها عبارة عن مضاعفة للمانع المائي حول سيناء تمهيداً لاستلام العدو الصهيوني لها, ويومها اتهمني البعض بالمبالغة, فماذا يقولون الآن بعد أن تم منع المصريين من دخول سيناء ؟
القرار الجديد الذي اتخذه الإنقلاب في سيناء بعد يوم من اختطاف المدرعة والتعليقات المتهكمة من حالة التردي العسكري التي وصل بعضها إلى التعليق على اختطاف المدرعة بأن المسلحين اختطفوها (عشان يعملوا عليها شوربة), هذا القرار الجديد لا اراه الا احد اجراءات مرحلة ما قبل تسليم سيناء للعدو الصهيوني.
وفي خلفية تلك الصورة القاتمة تجد فشلاً ذريعاً وتهاوناً في ادارة الحراك ودوائر وفقاقيع لا تنتهي من المبادرات التي حولت معسكر الثورة إلى مكلمة حقيقية دون حلول عملية مع تبني نموذج 25 يناير الذي تم تطعيم أجهزة العسكر ضده والذي لا يبدو أن احداً في معسكر الثورة راغب حتى الآن في إعادة مراجعته مع تصدير حالة من التخدير والتراخي الإعلامي في قنوات من المفترض أنها تعمل ضد الإنقلاب.
إننا الآن في أشد الحاجة إلى إعادة مراجعة أساليب الحراك وتطويرها إذا أردنا حقاً تخليص مصر من ذلك الاحتلال, وإذا استمر الحال على ما هو عليه, فسنجد مصر ذاتها في طبق (شوربة) على مائدة الأعداء, فكفى تهاوناً.