لا يكف العسكر أبداً عن البحث عن جذور لتثبيت استيلائهم على السلطة وتبرير طمعهم الدائم في حكم مصر، فيلجأون لنبش صفحات الماضي القريب، وتزييف ما هو معلوم من التاريخ بالضرورة.
ففي بداية الأسبوع، احتفلت صحف الانقلاب فيما يشبه المهرجان بذكرى الحرب العالمية الأولى، ووضع علم مصر إلى جانب أعلام الحلفاء، اعترافا منهم بدور ما أسموه “سلاح المهندسين” في الحرب، وبالبحث قليلا يتضح للقارئ أن تلك المشاركة كانت عبارة عن تجنيد عمال مصريين للعمل بالسخرة تحت إمرة ضباط الاحتلال البريطاني في عدة جبهات، من ضمنها فلسطين التي ساهم فيها “فيلق العمال المصري” بنقل الطعام والمؤن اللازمة للقوات البريطانية التي احتلت القدس سنة 1917.
نبش الماضي سلاح ذو حدين، فما أن يبدأ العسكر في محاولات استخراج ما يدل على “إنجازاتهم العسكرية المزعومة” حتى يعمل فريق مقابل في البحث عن أصل تلك الإنجازات.
الجيل الذي وقف بصدره في مواجهة رصاص العسكر منذ 25 يناير وحتى الآن، لم يعد يقبل بمنطق الزعيم الملهم الذي كانت تبثه دعاية عبد الناصر. وكان صنم عبد الناصر هو أول أصنام تاريخ العسكر المزور سقوطا بعد الانقلاب.
في البداية استفز الكثيرين المقارنة الدائمة بين المقبور عبد الناصر وبين قزم الانقلاب. وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى حلقات نقاش سياسية تعرض فضائح عبد الناصر، وتبين للجميع أن عبد الناصر مجرد صنم مهزوم صنعته آلة دعاية بدائية، نجحت فقط لأنها كانت تتعامل مع جمهور لا يرغب في البحث، ولا يمتلك أدوات البحث المتوافرة الآن.
وأكاد أجزم أن سقوط صنم عبد الناصر سبب صدمة للكثيرين، وكانت بمثابة دافع لمتابعة البحث. والعسكر من جانبهم يتبرعون في محاولتهم لإخفاء اخفاقاتهم (وربما جرائم الحرب التي يرتكبونها في ليبيا) بهدم الصورة التي بنوها عبر 60 عاما.
ففي حادثة كرم القواديس، أعلن إعلام العسكر أن “إرهابيين” أطلقوا النار على كمين به “خمسون جنديا”، وتزامن هذا مع غياب أي تغطية إعلامية، وتزامنت الحادثة “المشكوك فيها” مع إعلان ثوار ليبيا عن قتل مرتزقة مصريين يحاربون بجانب ميليشيات حفتر.
ما زاد الشكوك لدى الكثيرين.
كانت الحادثة الثانية والتي أشك أن تكون الأخيرة، أشد كوميدية، فالإرهابيون تطوروا كثيرا، وهاجموا زورقا تابعا للقوات البحرية، وقبل أن ننبهر بتلك القدرات الجديدة للإرهابيين، صدمنا الخبر بأن “الإرهابيين المزعومين” هاجموا زورق البحرية باستخدام “بلنصات”!!!
ولم يتوقف العسكر عند حد ابهارنا “بالمؤامرة البلنصية”، بل تفوقوا على أنفسهم حين أعلنوا أن القوات البحرية تمكنت بعد تدمير “البلنصات” من القبض على عشرين إرهابيا، بل زادوا على ذلك فأعلنوا أنهم عثروا على أسلحة (بعد تدمير البلنصات).
تزامنت تلك الحادثة أيضا مع تعتيم إعلامي كامل، فلم يظهر فيديو واحد حتى للموقع الحادث، ولا للمعركة التي وقعت مع “البلنصات” التي قالوا في أول بيان إنها تابعة لدولة معادية، وسبقها أيضا إعلان ثوار ليبيا عن إغراق فرقاطة في ميناء بنغازي كانت تنقل أسلحة لميليشيات حفتر.
ونحن بين أمرين، إما أن نصدق تلك الكوميديا التي يعجز عن إنتاجها شارلي شابلن، ولوريل، وهاردي، وإسماعيل ياسين، ونجيب الريحاني، وبهذا المنطق نصبح أمام جيش يقوده عجزة غير قادر على الدفاع عن نفسه ويجب تعيين حراسة لحمايته، وأن يحاكم كل قادته بتهمة الإهمال مع تخفيض رتبتهم إلى رتبة “جندي”، وإما أن نرفض تلك الروايات غير المنطقية، وفي تلك الحالة يجب أيضا محاكمتهم بتهمة الإهمال العسكري، وبتهمة الغباء السياسي.
العسكر قادرون بتلك البيانات المضحكة على تدمير ما تبقى لهم من سمعة لدى البعض، فتلك الأكاذيب لم يعد أحد يصدقها، فلسنا في عصر صوت العرب، وكل أكذوبة جديدة هي ضربة معول على رأس صنم العسكر الآيل للسقوط.