أرشيفي نشر بتاريخ: 18-3-2022
تحدثت من قبل عن سنيما العسكر في عدة مقالات تناولت خلالها ألاعيب العسكر في إدارة العقل الجمعى لسكان حظائر سايكس بيكو التي تستخدم نفس الاستراتيجيات المتبعة في سيناريوهات الأفلام، حيث تناولت استراتيجيات الأفلام الهندية وأفلام المقاولات وغير ذلك من الاستراتيجيات التسويقية المتبعة في اغتصاب العقول، وبغض النظر عن تقييمي الشرعي الرافض لهذه المنتجات، إلا أنني حاولت استغلال ما ضاع من أعمارنا في متابعة هذا الغثاء كأمثلة تقرب الواقع السياسي والإعلامي لعقول القراء، بغض النظر عما اذا كان البعض سيستخدم كلامي في البحث بين ذكرياته عن ذكرى تربطه بهذه الافلام والمسلسلات والأغاني.
في أواخر الثمانينيات اتجه التليفزيون المـ صـ رائـ يـ لي لإنتاج عدد من المسلسلات منفصلة الحلقات، بحيث تشكل كل حلقة ما يشبه فيلما قصيرا، إلا أن الرابط بينها كان وحدة البناء الدرامي للحلقات، كان من أشهرها مسلسل اللقاء الثاني، حيث تتناول أحداث كل حلقة لقاء يجمع بين أناس عرف بعضهم بعضا قبل سنوات، وكيف أثر طول الفراق على ردود أفعالهم عند اللقاء الثاني، كانت الحبكة القصصية تبرز بشدة في كيفية إبراز البناء الدرامي الموحد في سياقات متنوعة جدا على مدار الحلقات، أهم شئ أن اللقاء الثاني كان غالبا ما يخالف التوقع التقليدي للمشاهد، فعلى الرغم من مرور السنين والخبرات إلا أن اللقاء الثاني كان غالبا ما يكشف عن وهم كان يعيشه أحد أطراف اللقاء أو كليهما وعليه بنى حياته وأحلامه توقعاته الخاطئة عن اللقاء الثاني، وظلت هذه الأوهام تتراكم عبر السنين الفاصلة بين اللقائين حتى كانت الصدمة، حيث يكتشف أحد الأطراف عند اللقاء الثاني أنه لم يعرف الطرف الآخر معرفة حقيقية، أو لم يعرف نفسه !
من منا يذكر هشام جنينة وخالد علي وسامي عنان ومعصوم مرزوق والبرادعي والمعلم لمبة رئيس الشركة القابضة للكيانات والمبادرات الاصطفافية وأصحاب المقدمات النارية، والمحلل السياسي الرهيب والخبير الاستراتيجي الفظيع وأبطال قنوات قطر واسطنبول، وعزة الحناوي والمقاول محمد على ومواقف شيخ الأزهر الرنانة وسائق التوكتوك الثورجي والمواطن شرشوب همام وثورة الغلابة وثورة 11-11 وثورة الحلل والنواب الثورجية أحمد الطنطاوي وضياء الدين داود وغير ذلك كثير مما لا تسعفني به الذاكرة وأدعوكم لكتابته في التعليقات، وأخيرا وليس آخرا هالة فهمي مذيعة الكفن ابنة قيادي الحزب الوطني السابق وابن النظام
كلنا يذكر كل هذا الزبد ولكن أقلنا من يربط بعضه ببعض ويتأمل البناء الدرامي المخابراتي الموحد، سواء بممثلين مأجورين أو مفعلين بغير علم كضحايا الكاميرا الخفية، ذلك أن الطواغيت لا يملون من العبث بعقول المغتصبين فكريا بحلقات سخيفة من الاستحمار تستخدم نفس البناء الدرامي من خلال سيناريوهات متنوعة لتشويه النموذج الثوري الإسلامي ضد طواغيت سايكس بيكو عملاء الصليبيين وتحويله لمعارضة جزئية مقرة بشرعية أنظمتمهم، مع تحقيق قدر لا بأس به من التنفيس عن المغفلين أو “ثورة” تعيد إنتاج طواغيت سايكس بيكو في ثوب جديد.
لا يمكن أن يسمح العسكر بما يضرهم أو حتى يؤذيهم، ولو سمحوا فسيكون بشكل مؤقت ابتغاء نفع أضعاف ما يؤذيهم، وأي نموذج لإحداث تغيير حقيقي يضرهم أكثر مما ينفعهم فلن يسمح له بالوجود أصلا فضلا عن أن يوجد ثم يحارب فيقضى عليه، ولن يسمح له بالانتشار، ولو كانت صفحة فيسبوك يتيمة فسيتكرر حذفها، وعلى ذلك قس كل ما أعجبك من مخرجات دولة العسكر، كخطب الشيخ حسان أو جعجعات شيخ الأزهر أو مهاجمة عمرو أديب وإبراهام عيسى لنظام مبارك أو السماح بمظاهرات هالة فهمي! (المظاهرات جريمة يحاسب عليها قانون العسكر) أو بعض المخلصين الحمقى، بل وحتى وصول “الإسلاميين” للحكم، وكل ما خالف ذلك فكان نسبة فائت وخطأ حسابي بتقدير الله، فالطواغيت والنظام العالمي في النهاية صنعة بشرية يعتريها النقص ويمكن التغلب عليها إذا ما صح المعتقد الشرعي في حقيقة الصراع بين الإسلام والكفر ودراسة السنن الكونية في منابذة الطواغيت حتى لا نقع مجددا مع نفس الوجوه ونفس السيناريوهات العقيمة
لقد كان لقاءك الثاني مع البرادعى حارا حين خرج عليك بكم تويتة سافر بعدها للاستجمام
وكذلك لقاءك الثاني مع طيبوس شيخ الزهر حين جعجع قليلا ثم عاد إلى ما كان عليه
وكذلك لقاءك مع أم كفن التي قالت أنها لا تريد تسييس الموضوع 🙂
ولقاءك مع سقط متاع الانقلاب حين لبسوا حلة الاصطفاف
ولقاءك مع المعلم لمبة عضو جبهة الإنقاذ وصاحب عبارة افعل أو ارحل
ولقاءك مع سامي عنان حين تقمص دور الكلب البلدي بديل السيسي
ولقاءك مع شفيق بعد تسريب يهاجم فيه السيسي
وكذلك لقاءك الثاني مع المخلوع مبارك حين ترحمت عليه بدعوى ذكر محاسن الموتى
وحدث ولا حرج عن قاضي الإعدامات الذي تحول إلى الرئيس المؤمن في اللقاء الثاني
على عكس لقاءك الثاني مع إبراهيم عيسى وعمرو أديب ووائل الإبراشي وعبد الحليم قنديل وعادل حمودة وغيرهم ممن كنت تظنهم يعارضون مبارك
أنت لم تعرف من قابلتهم في اللقاء الأول ولا الثاني وإنما كان الأمر جله هوى بعيدا عن موازين الشرع للأقوال والأفعال.
إذا لم تعرف نفسك وهويتك الحقيقية وتعرف عدوك الحقيقي وحقيقة الصراع بين الإسلام والكفر متمثلا في طواغيت سايكس بيكو، فأنت مثل أبطال مسلسل اللقاء الثاني الذين لم يعرفوا أنفسهم ولم يعرف بعضهم بعضا حق المعرفة ففجعوا بردود أفعالهم في اللقاء الثاني، كذلك أنت أيها المواطن الحظائري المؤمن بأوطان سايكس بيكو وهوياتها ومؤسساتها، تشرب مقالب العسكر مقلبا تلو الآخر حتى تفاجأ بعد ما ظننته ثورة وفق النموذج الصياحي المشوه في يناير وأخواتها أن الأمر لم يعدو إطالة لعمر الاحتلال الصيلبي بسايكس بيكو جديدة وأنك بنيت أهدافك على أوهام متراكمة وأن نتيجة “الثورة” تماما كردود الأفعال المفاجأة من أبطال مسلسل اللقاء الثاني، فأنت مثلهم تماما لم تعرف نفسك ولم تعرف عدود من صديقك ولم تعرف حقيقة الصراع، ولكنك تعيش في مسلسل تمتد حلقاته لأكثر من مئتي سنة وتعمل كومبارس بلا أجر، بل تدفع الثمن من دينك ودمك وعرضك ومالك وعمرك وعمر أولادك.
قال تعالى: ” أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ “
أما إذا كنت تريد تغيير حقيقي فيجب على من يبتغي التغيير أن يكون لديه مجموعة من القناعات أو لنقل مباديء
أولها بل أهمها هو أنه لا ثورة بلا أيديولوجية: لا توجد ثورة من أجل الخير والمحبة والوئام بينما تحلق حولهم العصافير! هذا لا يحدث إلا في نهايات قصص المكتبة الخضراء، أو الأفلام الهندية، فهذا الكلام هو تغليف مؤدب لعبارة انبذوا دين الله وراء ظهوركم، فنحن في صراع إسلام وكفر مع الطواغيت وكلاء الاحتلال الصليبي، ومبدلي شرع الله ومستحلى دماء وأعراض وأموال المسلمين ولذلك لابد أن تكون الثورة أيدولوجية.
الثورة ليست معارضة: لا توجد في الدنيا ثورة تلجأ لآليات النظام الذي تثور عليه من أجل تغييره، ولن يتغير واقع سايكس بيكو بأدواته من انتخابات وسياسة، إلا أن نكفر به كله ونصنع نموذجا للتغيير وفق سنن الله وشرعه، فلا يغرنك استدراج الإسلاميين لفخ الديموقراطية وإن أوصلهم مؤقتا لسلطة صورية.
الثورة ليست عملا مؤدبا: لم يحدث في تاريخ البشر أن انتصر حق على باطل بالزعيق والسلمية أو حتى الدعاء فقط، اللهم إلا في هلاك القرن الأولى قبل أن يؤتى موسى الكتاب ويؤمر بمنابذة أعداء الله، دعك من ثورة الإتيكيت والشاب الثوري الكيوت اللي بيحشر مصطلحات سياسة انكليزي في كلامه، وتنظيف الشوارع، والجو الهابط بتاع غاندي، عدو الصحوة الإسلامية الذي صنعه الإنكليز للتشويش على الجهاد الإسلامي ب “المؤتمر الإسلامي الهندوسي”، النسخة الهندية من ثورة 19 والهلال مع الصليب.
لا توجد ثورة من أجل عيش وحرية وعدالة اجتماعية: هذه على أقصي تقدير تصلح مطالب عمال في إحدي شركات القطاع العام قبيل خصخصتها، هذه مطالب لتحسين شروط العبودية وتسطيح للصراع بين الإسلام والكفر.
الثورة لا تقبل الآخر: لا توجد ثورة يتحد في الجميع مع الجميع من أجل الجميع، الثورة لا تعرف إلا مع أو ضد، الثورة ولاء وبراء ومن ليس معنا فهو علينا وليست عملا اصطفافيا بين المسلمين والملاحدة العلمانيين.
لا سياسة في الثورة ولا ثورة في السياسة: الثورة صراع صفري حتى ينمحي الباطل كله ويكون الدين كله لله، بما يعني إقتلاع النظام العالماني من جذوره وتدميره بالكامل وكل دولته ومؤسساته (جيشه وشرطته وقضائه وإعلامه وشيوخه ورموزه الفكرية والسياسية) وبناء نظام وواقع إسلامي جديد على هيكل يخالف القديم بما لا يدع له مجالا للاندساس، ولا توجد ثورة يتقدمها سياسيون يقدمون مبادرات وحلولا وسطا ويجلسون مع عمر سليمان في ذروة أيام الثورة.
إتجاه الثورة من النخبة إلى الجماهير وليس العكس: لا يمكن أن تنجح ثورة يوجه فيها الجماهير النخبة بجعلهم عبيدا لما يمليهم عليهم الترند، فيصبح المفكر أسير اللايكات بدغدغة مشاعر الجمهور عن تحرك شرفاء جيش فنكوش أكتوبر أو الخليفة ليفة الذي سيعيد أمجاد الخلافة، بينما مهمته الأصلية هي الثورة على مفاهيهم الباطلة قبل الثورة على الأنظمة، وهكذا “الجيش حمى الثورة من الفوضى”! “وانحاز للشعب وأزال مبارك”! القرار في الإسلام شوريا تصنعه النخبة من أهل الحل والعقد وليس ديموقراطيا تصنعه السوقة.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ