بعد المظاهرات الضخمة التي شهدتها امريكا عقب مقتل جورچ فلويد أصبح اصلاح الشرطة هو الشعار الذي يطلقه البعض
البعض الآخر من المتظاهرين طالبوا (بخفض الإنفاق) على الشرطة التي ترصد لها امريكا ميزانية ضخمة (ليست بنفس مستوى ميزانية الجيش الأمريكي) حيث أشار المحتجون الى ان المدن والولايات الأمريكية تنفق مبالغ طائلة ومفرطة لتمويل أجهزة الشرطة فيها على حساب التعليم والصحة العقلية والإسكان وغيرها من مجالات الخدمات الاجتماعية.
وبالفعل ورضوخاً لطلبات المتظاهرين التي صاحبتها أعمال عنف وحرق لمراكز الشرطة وسياراتها في أماكن متفرقة في المدن الأمريكية تفاعل رئيس بلدية مدينة لوس أنجيليس بولاية كاليفورنيا لهذه الدعوات، فقام بخصم مبلغ 150 مليون دولار من الزيادة المقترحة لميزانية شرطة المدينة للعام المالي المقبل
وتعهد عمدة مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو بتحويل جزء من الأموال المخصصة لشرطة مدينته نحو الخدمات الاجتماعية
وفي مينيابوليس موطن چورچ فلويد طالبت منظمة “جمعية الرؤى السوداء” مجلس المدينة بالتعهد بعدم زيادة ميزانية شرطة المدينة وتحويل مبلغ 45 مليون دولار من ميزانية الشرطة
كل هذا يحدث وأمريكا تستعد لسباق رئاسة جديد يعتبره ترامب تحدي ويعتبر كل ما يحدث من مظاهرات من تدبير الديمقراطيين ويصرح بهذا في كل كلامه ويحاول ان يقلب الطاولة على رؤوسهم
وفي محاولة منه لإنقاذ نفسه وإنقاذ حملته الإنتخابية 🙂 وبعد أسابيع من تضخم المظاهرات الغاضبة بدأ ترامب يرضخ لرغبات المحتجين بعمل تعديلات جوهرية لإصلاح الشرطة لضمان عدم حدوث حوادث قتل السود من عناصر الشرطة والتي تكررت خلال السنوات الماضية
من ضمن الإجراءات التي سيعلن عنها ترامب اليوم حسب تصريحات البيت الأبيض:
أولا: رفع مؤهلات أفراد الشرطة، والتأكيد على تلقيهم التعليم والتدريب المناسب.
ثانيا: إنشاء قاعدة بيانات لتعقب أفراد الشرطة المتهمين بسوء السلوك وانتهاك حقوق المواطنين خاصة السود منهم. وسيتم تبني أساليب تمنع هذه العناصر من الانتقال من جهاز شرطة إلى جهاز آخر.
ثالثا: إرسال أخصائيين اجتماعيين مع أفراد الشرطة في الحالات المشتبه في علاقتها بمشاكل الصحة النفسية أو العقلية.
فهل ينجح ترامب في امتصاص غضب المتظاهرين بتلك الحزمة من الإصلاحات في جهاز الشرطة؟
بل هل تنجح هذه المحاولات في إنقاذ حملته الإنتخابية؟
وهل تنجح هذه الإجراءات في إنقاذ أمريكا نفسها من التفكك؟
الواقع يقول أن البنية الأساسية في أمريكا تتفكك بل أن معمار العالم كله يتهاوى. ماحدث في امريكا حدث نتيجة العنصرية المتزايدة التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي والتي لا يتحدث عنها إعلامهم الذي يغذي هذه العنصرية في الأفلام والمسلسلات الامريكية والتي ظهرت بوضوح مع مجئ ترامب للحكم وتصاعد نغمة العنصرية المقيتة في تصريحاته
حتى البيت الأبيض ومنذ وصول العنصري ترامب لم يعد يمارس ذلك النفوذ المعهود الذي مارسه على سياسة العالم لعقود، ويبدو واضحا، التراجع المستمر في الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وانسحاب الجيش الأمريكي من عدة نقاط وميل الكفة نحو دور روسي أكبر في المنطقة. ويبدو هذا واضحا من الدور الذي مارسته روسيا في المجازر التي ارتكبها المجرم بوتين في سوريا بلا رادع ولا حساب، اللهم إلا بعض العتاب اللطيف هنا وهناك على سبيل ذرّ الرماد في العيون.
أضف إلى ذلك تقارير المخابرات الأمريكية التي نشرتها السي إن إن قبل انتهاء ولاية أوباما والتي كشفت عن محاولات قرصنة روسية وأوامر من بوتين بالتأثير على الانتخابات الأمريكية وتفضيل بوتين الواضح لترامب رغم تمثيل ترامب بعكس ذلك.
ما نراه الآن في النظام العالمي وكما أشرت في مقال سابق لي هو بعثرة لكل الأوراق القديمة وإعادة ترتيبها على نحو جديد تماماً يغادر فيه مركز صناعة القرار في المنطقة، البيت الأبيض (بالتدريج) لينتقل إلى الكرملين.
#آيات_عرابي