البعض اصبح يردد كلمة “إصطفاف” أكثر مما يتنفس والمصطلح نفسه يكتسب يومياً مساحات جديدة من الابتذال وسوء السمعة, توفرها نوايا البعض التي باتت تطل برأسها من وقت لآخر, فبعضهم يهمس على استحياء بضرورة تخلي الثوار عن هدف عودة الرئيس مرسي, ويكاد يصرخ بذلك لولا ذعره من الرأي العام.
والبعض الآخر تجمد عقله في منطقة 25 يناير والدخان الإعلامي الذي احاط بها ومازال مصراً على أن من شارك في الإنقلاب وتورط في الدماء وباركها يمكن استعادته للصف.
هؤلاء الإصطفافيون لا يفعلون شيئاً سوى ترديد المصطلح ثلاث مرات بعد الغداء وثلاث بعد العشاء, بل أن بعضهم يعتبر الاحتفاء بتغريدة البرادعي “إصطفاف”.
معظم هؤلاء لا يقدم رؤية حقيقة وربما لا يفهم هو نفسه ما الذي تعنيه كلمة إصطفاف والبعض الآخر يرى أنه من “الشياكة الثورية” أن يخطب ود فصائل علمانية غمست يدها في الدماء وباركتها, ويتحفك بتبريرات رومانسية تصل إلى حد منح شخص مرتكب للخيانة العظمى ومسؤول سياسياً عن الدماء مثل البرادعي, صك الثورية.
والحقيقة هو أننا يجب أن نفرق بين أمرين, الأول هو دعوة التائبين ممن شاركوا في 30 يونيو إلى الصف الثوري والثاني هو اختزال الإصطفاف في رموز علمانية ملوثة بالدماء.
عندما عبد بنو اسرائيل العجل أمرهم الله بقتل أنفسهم ليقبل توبتهم, اما بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام, فقد خفف الله على الناس, فتكفي فقط التوبة ( لمن لم تتلوث يده بالدماء ).
واتصور أن الصف الثوري يرحب بكل التائبين الذين يريدون غسل أيديهم من 30 يونيو, بشرط الا يكونوا قد شاركوا في الدماء.
اما أن يدعو بعضهم البرادعي والذي اعترف بأنه كان يتجول في اوربا لإقناع حكوماتها بضرورة الإطاحة بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر والذي عينه العسكر نائباً لشكري مندور, والذي كان من بين المسؤولين عن مجازر المنصة والحرس الجمهوري والقائد ابراهيم واستقال بعد رابعة, فهذا ما لا يقبله حتى قانون, فالرجل معترف بارتكاب جريمة الخيانة العظمى, وان كان هذا الفريق من “الإصطفافيين” يرى ضرورة التسامح مع البرادعي مثلاً, فلماذا لا يدعو صبحي غندور هو الآخر للإصطفاف ؟ بل لماذا لا يدعو قزم الإنقلاب ؟
فرق كبير بين من شارك في خدعة 30 يونيو وادرك ما وقع فيه, فتاب وبين مجرم ارتكب جريمة الخيانة العظمى وشارك في الدم, الأول تائب يستوعبه الصف الثوري ويرحب به والثاني مجرم.
اما البعض الآخر, فلا يدرك أن أوراق اللعبة قد تبعثرت, فلا ( 6 ابريل ) بقيت على حالها, ولا من اعتبرهم البعض رموز يناير, قادرين الآن على التأثير.
بعض “الإصطفافيين” لا يدرك أن الإنقلاب صنع واقعاً جديداً انشطرت فيه حركات مثل ( 6 ابريل ) وتبعثرت, فانضم كثيرون منها للحراك الثوري الذي يرفع شعار عودة مكتسبات الثورة وعلى رأسها عودة الرئيس مرسي, والبعض الآخر ( وهم قلة ) على نفس ضلالهم القديم, يساوون بين الرئيس مرسي وبين المخلوع, وشرذمة أخرى لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة تعمل رسمياً كبوق للعسكر. وهؤلاء “الإصطفافيون” يختزلون “إصطفافهم” المزعوم في دعوة رموز فقدت تأثيرها واحترقت.
هذه العبثية وتشوش الرؤية في طرح بعض “الإصطفافيين” هو ما يشوشر على أي جهد حقيقي يبذلُ في هذا الاتجاه, ويمكن القول أن هذه “العكاشية الإصطفافية” هي ما أخَّرَ الإصطفاف الحقيقي المأمول, والحقيقة أن المصطلح اصبح في حاجة شديدة لثوابت ومحددات, فلماذا لا نعمل جميعاً على وثيقة شعبية أو ميثاق شرف “إصطفافي” يحدد السقف الذي لا يجب تجاوزه, وتكون من محدداته عودة مكتسبات الثورة كاملة وعلى رأسها الرئيس مرسي والدستور المستفتى عليه ثم تعرض على الشعب لجمع التوقيعات عليها وتصبح إفاقة ثورية جديدة؟
أيها الإصطفافيون, تعالوا إلى كلمة سواء وتفاهم حقيقي له ثوابت.