منذ حوالي ألفي عام رقصت سالومي أمام هيرودس وهي تخلع ملابسها قطعة وراء الأخرى بعد أن وفى هيرودس بوعده وقدم لها رأس نبي الله يحيى؛ وهو ما أشارت إليه السيدة أسماء بنت أبي بكر عندما صلب الحجاج بن يوسف ابنها عبد الله بن الزبير فقالت: وماذا يمنعني من الصبر وقد أُهْدِيَ رأس يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل؟
كان المصريون يُخدعون منذ عصر محمد علي وحتى الآن ولكن جرعة الدجل تضاعفت بصورة كسرت وعي المواطن العادي وجعلته على يقين من أن الرئيس مرسي يعمل فعلاً لحساب الإدارة الامريكية وأن أوباما يرعى (المشروع الإخواني) في المنطقة .. الخ. بالإضافة إلى سخف كل هذه الدعايات التي لا يمكن أن يصدقها من يمتلك أدنى رغبة في التحقق، إلا أن اوركسترا الانتاج الإعلامي ظلت تعزف على نفس النغمة المكررة.
كنت خلال متابعتي قد وصلت إلى يقين أن الدعاية التي تم تجهيزها لإشعال الاحتجاجات ضد الرئيس المصري المنتخب، لم تضع في حساباتها فترة ما بعد الانقلاب، وإن الدعاية في الفترة التالية على الانقلاب ستتركز على تلميع شخص قائد الانقلاب، وهو ما كان بالفعل.
ولأن الأجهزة التي كلفت بتصميم حملات الدعاية قد ترهلت وأصابها ما أصاب مؤسسات الدولة من فيروسات فساد، فقد خرجت دعايتهم مضحكة وساذجة من نوعية (وزير الدفاع هدد وزير الدفاع الامريكي بضرب الأسطول الأمريكي في البحر الابيض المتوسط)، ومن نوعية الحديث عن وسامته الخفية التي كانت مثار النكات في منتدى دافوس. كان تقديري أن هذا النوع المضحك من الدعاية لن يصمد طويلاً، لكن لم يصل تقديري في الحقيقة أن يكون قائد الانقلاب هو من سينسف بنفسه الدعاية التي أرهقت مؤسسات الانقلاب في تصميمها ونشرها.
في الحقيقة على الرغم من معرفتي بحقيقة الصراع الأممية وأن الانقلاب ما هو إلا ذلك الوجه الطافي على السطح من ذلك الصراع القديم بين الشرق الإسلامي والغرب الصليبي؛ إلا أنني لم أتصور أن أقرأ على موقع الفوكس نيوز مثل هذه التصريحات الفجة الصادرة عن قائد الانقلاب والتي يدعو فيها أمريكا والناتو صراحة للتدخل عسكرياً ضد الشقيقة ليبيا، وأن يعلن عن عداوته للإسلام بهذه الفجاجة فيقول إن المصريين كانوا يساقون إلى المساجد عنوة! هذا كلام تعودنا أن يقوله الخونة في الغرف المغلقة لا على صفحات الجرائد!
تذكرت وقتها وجهه الملطخ بأحمر الخدود وتلك الحديقة التي اختارها لتكون خلفية له عند إعلان ترشحه، وكيف كان يتسول تأييد الغرب له بإعلان نفسه مسؤولاً عن محاربة ما سماه الإرهاب و لسان حاله يقول (أنا هو كنزكم الاستراتيجي بل أكثر مما تظنون) وبالتالي لم تكن تصريحات وزير خارجيته عن ( زواج مصر بالولايات المتحدة مستغربة) فهذا شخص قطع شوطا طويلا في الخيانة ويعلم أن رقبته على المحك عند نجاح الثورة وهو بحساباته القاصرة يظن أن استيلائه على منصب الرئاسة المغتصب سيحمي رقبته من القصاص.
هو يعلم تماماً أن الظهير الشعبي الذي تظاهر في مهزلة 30 يونيو تآكل بالكامل ولم يتبق منه سوى عشرات يحرجونهم بأعدادهم عندما تسقط عليهم عدسات الكاميرات.. هذا هو ما دفع سالومي اليائسة للرقص أمام السادة في واشنطن، والفرق أن سالومي الأخرى رقصت بعد أن تلقت الثمن بينما هؤلاء يرقصون مقدماً، وولي النعم يتفرس بلا حماس، فتخلع سالومي المزيد من ملابسها، وولي النعم يراقب المشهد المسلي في غير اكتراث ليرى ماذا يمكن للجنرال أن يقدم بعد أن تخلى عن كل ملابسه!