في القرآن، أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون ليقولا له (أرسل معنا بني إسرائيل).
كان جزءا من ابتلاء الله لهم أن يظلوا تحت عذاب فرعون وهامان وجنودهما.
تقرأ القصة في القرآن، فتدرك أن جُل أمانيهم وقتها كان الخروج من مصر، وهو الحدث الذي تصاعدت معه أحداث القصة، لتنتهي بمطاردة فرعون لهم وغرقه وجنوده في البحر.
الشاويش بعضشي، فرعون مصر الحديث، الذي كان هامانا من قبل، فسعى بانقلابه أن يصبح فرعونا، فارتكب أو ارتكبت مليشياته جريمة جديدة في كفر الشيخ.
تقول الرواية الانقلابية إنهم انتشلوا 9 جثث غارقة لمصريين وصوماليين وسوريين، ونجحوا في إحباط هجرة غير شرعية، وألقوا القبض على 127 شخصا، وتضيف الرواية الانقلابية أن ما اسمته إحباط العملية تم بالتعاون بين المخابرات الحربية وحرس الحدود.
وتصر الرواية الانقلابية على تقديم الأمر بلهجة تشتم فيها الشعور بالفخر بالإنجاز الذي تحقق، وتسمي العملية (إحباط هجرة غير شرعية)، وتكاد ترتسم أمامك صورة الجنرال السمين يقف أمام الميكروفونات ليلقي البيان العسكري رقم (1) عن نجاح قواتهم في إغراق مركب الهجرة غير الشرعية والقبض على الجناة، ثم تبدأ المارشات العسكرية في العزف.
وتبدأ رائحة (الزفارة).. كما يقول الأمريكيون، تتصاعد من الرواية الانقلابية حين تقرأ أن ركاب مركب الصيد حين شعروا بوجود قوات حرس الحدود قفزوا في المياه، ما أدى لغرقهم.
وهناك إصرار على ترديد عبارة (من ذوي البشرة السمراء) كما لو كانت تلك الجملة ستخفف من تأثير الخبر، وهي عجرفة غير مستغربة على عسكر عربيات البليلة الذين يضعون أنفسهم في مرتبة أعلى من مرتبة البشر.
في الصور المنشورة للحادث، تلمح عجرفة ولا مبالاة ترتسم على وجوه الواقفين حول جثامين الغرقى، إحدى الصور تستفزك بشدة حين ترى رجلا سمينا يمسك بجهاز اتصال ما، يرتدي حلة وينظر في عدم اكتراث لجثمان طفل يذكرك بالطفل السوري الغارق على سواحل تركيا.
لا تعرف من الصورة إن كان الطفل مصريا أم سوريا أم صوماليا، ولا تقرأ سوى العبارة القبيحة (من ذوي البشرة السمراء).
من الواضح أننا بصدد جريمة قتل جديدة ارتكبتها مليشيات الجيش المصرائيلي أدت إلى غرق عدد من الأبرياء، لم يعادوا أحدا، ولم يعتدوا على أحد، فقط أرادوا الإبحار بعيدا عن واقعهم المؤلم، أرادوا توديع تلك الخرائب المنصوبة في بلادنا منذ خمسينيات القرن الماضي.
لا أمل في معرفة حقيقة ما حدث إلا إذا تسربت أجزاء من الرواية الحقيقية للحادث عبر أحد الناجين، فالعسكر يطبقون قواعد التعتيم الإعلامي على ما يحدث، كما يفعلون في سيناء.
لا يمكنك وأنت تنظر إلى جثمان الطفل الغارق وتقرأ الرواية الانقلابية ألا تتذكر تلك السيدة المصرية في سيناء، التي أطلق عليها جنود أحد الكمائن الرصاص، فأصابوها في قدمها، وأصابت الرصاصة الثانية بطنها، فقتلت طفلتها ذات الشهور السبعة، والصورة التي تسربت عبر صفحة سيناء 24 ثم الرواية العسكرية الصبيانية التي تحدثت بعدها عن رجال الصاعقة الذين تحولوا إلى سوبرمان وانتفخوا وهم يطاردون التكفيريين الذين أصابهم الذعر… الخ.
وهي الرواية التي افتضح كذبها حين نسي محرر الخبر على موقع البوابة الانقلابي التابع للمخابرات عبارة (زود دي للخبر) التي ذيل بها ضابط الشؤون المعنوية القصة الركيكة الكوميدية التي أملاها على المحرر.
العسكر يُعاملون الشعب بمنطق فرعون (إنَّا فوقهم قاهرون).
ابقوا في أماكنكم نحن سنقتلكم.. نحن نمتلك رقابكم وحياتكم.. أنتم عبيد.
لا يحق لمصري أن يفر من تلك الخرائب، ولا يحق له أن يصرخ لارتفاع الأسعار التي تسحقه كل لحظة، حتى بات البحث عن عشاء ضربا من المآسي.
تحولت مصر على يد العصابات العسكرية إلى أنقاض وخرابات لا يمكنك مغادرتها، ولا يمكنك العيش فيها.
لا يحق لك أن تفر، ولا يحق لك أن تشتكي، ولا يحق لك أن تصرخ، أنت ممنوع من السفر، وممنوع من الكلام، وممنوع من الشكوى، وممنوع حتى من الدعاء على الظالمين.
أنت ممنوع من السفر والهجرة.. ممنوع من الكرامة والحرية.. ممنوع من الأمل، ممنوع من كل شيء لدواعي القتل والاستعباد.
مزيج لا تجده إلا في قصص الطغاة في القرآن، فرعون وهامان والنمرود وكفار قريش.
البخار المحتبس في القِدر شارف على الانفجار، والانفجار هذه المرة لن يبقي حجرا على حجر، ولن يرحم أحدا.