في العام الماضي نشر مقال يرد على مقال سابق كتبته عن الماسونيين جمال الدين الايراني ومحمد عبده, واحتوى المقال على دفاع متهافت وهزلي عن الاثنين محاولاً تبرئتهما من حقائق انهما كانا ماسونيين وكانا تاركين للصلاة وكانا شاربين للخمر وغير هذا كثير والمقال كان بعنوان (غيبوبة الغيبوبة)
واحتوى المقال نقلاً لكلام مرسل ضعيف الحجة حاول به الكاتب اثبات وجهة نظره وربما كان هذا احد اسباب إهمالي للرد على ذلك المقال
وتأتي أهمية جمال الدين الايراني ومحمد عبده في انهما مؤسسا تيار الاسلام الماسوني الحديث او المدرسة العقلية والتي تعتبر تيارا تخريبا داخل الاسلام (اصبح هو التيار الرسمي للأزهر الآن)
(أولا) جمال الدين الإيراني وادعاؤه (الأفغانية)
يستشهد الكاتب في مقاله بمقال له هو شخصياً كتبه من قبل وحشد فيه مجموعة من الأقوال المنقولة من هذا ومن ذاك حاول بها اثبات (أفغانية) جمال الدين الايراني واثبات كذب وادعاء ابن شقيقته جلال صاحب كتاب (حقيقة جمال الدين) وهو يحاول اقناعنا ان جمال الدين (أفغاني) لأن فلاناً وفلاناً وعلاناً قالوا انه افغاني وان عائلته اسمها كذا !!!
وهذا الكاتب وغيره يتناسون ان جمال الدين انتحل شخصية شخص افغاني فعلاً لان الافغان مسلمون ولأن هذا اسهل في اختراق المجتمعات الاسلامية والامر الثاني ان نقيب الأشراف وشيخ مشايخ الاسلام في الدولة العثمانية كتب إلى رشيد رضا يقول ((إني أرى جريدت طافحة بشقائق المتأفغن جمال الدين الملفقة .. وقد ثبت في دوائر الدولة رسماً أنه مازندراني من أجلاف الشيعة .. وهو مارق من الدين كما مرق السهم من الرميّة)) ومازندراني أي نسبة إلى المازندراني مؤسس الحركة البابية وهي مثل البهائية. ولا شك ان جمال الدين قبل ان يصل الى مصر, مر باسطنبول وادعى فيها الأفغانية (تأفغن كما قال عنه الشيخ ابو الهدى الصيادي) وان المسألة كانت محل بحث في عصره وان ما ثبت لدوائر الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله انه مازندراني شيعي من حركة البابية (اي ايراني) وليس افغانياً وما يقوله الشيخ ابو الهدى الصيادي هو تأكيد رسمي من وثائق الدولة العثمانية التي كان الرجل يشغل فيها منصب شيخ مشايخ الاسلام في عهد السلطان عبد الحميد الذي لا يتهمه عاقل في دينه. وهذا تأكيد رسمي وليس حكايات نقلها هذا وذاك او اقوال نقلها فلان عن علان بل وثائق رسمية تعني ان مسألة انتماءه قد تعرضت لبحث في عهد السلطان عبد الحميد واستقر الأمر على انه متأفغن وهذا طبيعي في شخص يعمل لحساب أجهزة مخابرات غربية كما قال عنه السلطان عبد الحميد رحمه الله .. وما أقوله هنا ليست اقوالاً منقولة عن فلان الذي قابل فلانا فروى له كذا وكذا, بل ما أقوله هو قول شيخ الاسلام في الدولة العثمانية يتحدث عن وثائق رسمية للدولة العثمانية .. فالمسألة هنا محسومة وهذه الاقوال المضحكة التي تحاول أفغنة جمال الدين هي اقوال جديرة ببرامج حواديت الأطفال, والعجيب ان هؤلاء يتجاهلون ما قاله السلطان عبد الحميد وشيخ الاسلام أبو الهدى الصيادي أو في احسن الأحوال يضعون اقوال فلان او علان على قدم المساواة مع اقوال السلطان عبد الحميد وهذا من الهزل.
ماسونية جمال الدين
حاول الكاتب التقليل من شأن التحاق جمال الدين بالماسونية كما لو كان التحق بها على سبيل الموضة, وهو بهذا يصم (المصلح الذي ايقظ العالم الاسلامي (على حد قول المفتونين بجمال الدين) بانه غافل لا يعلم معنى الماسونية ودخلها لأنها كانت موضة وأن الشخص الذي لعب هذه الأدوار والذي ايقظ العالم الاسلامي من غفوته كما يحلو لهؤلاء ان يقولوا, وجد جمعية اسمها الماسونية فدخل وصار عضوا بها وجلس على مقعدها ثم اخذ يهز قدميه ولما لم تعجبه غادرها وأسس محفلاً فرنسيا (لان انجلترا الشريرة كانت تريد احتلال مصر بينما فرنسا الخيرة لم تكن تحتل الجزائر !!) أي انه اذا صدقنا هذا المنطق المتهافت فإن جمال الدين هذا يصير مجرد (عبيط) اعتنق الماسونية لأن (الماسونية كانت جمعية علنية مرخصة) كما يقول الكاتب !!! اذا لم يكن هذا هزلاً, فما الذي يمكن ان نسميه هزلاً ؟
وهو يستمر في هذا الهزل فيقول ان اتهام الافغاني بأنه كان يعرف أهداف الماسونية هو اتهام وللدولة العثمانية نفسها !! والحقيقة انني لم أر في حياتي ما هو اضعف من هذه الحجج .. فالدولة العثمانية رخصت الامتيازات الاجنبية وكانت مجبرة عليها نظراً لضعفها. والدولة العثمانية رخصت بيوت البغاء فهل هذا يعني ان بيوت البغاء والقول بأن الدولة العثمانية رخصت الجمعية الماسونية وهي لا تعرف أهدافها يدفعنا بنفس المنطق الهزلي للقول ان الدولة العثمانية رخصت بيوت البغاء وهي لا تعرف اهداف بيوت البغاء !!!
جمال الدين البهائي يصلي ؟؟ !!
وحاول الكاتب التشكيك فيما قاله الشيخ يوسف النبهاني الذي قال ان محمد عبده والافغاني كانا لا يصليان وكانا يشربان الخمر, ونقل اقوالا مرسلة لمفتي مصر محمد بخيت المطيعي قال فيها ان محمد عبده من أشد طلبة الازهر محافظة على الصلوات !!
قد يكون هذا صحيحا تماما ولكن .. حين كان طالباً
والكاتب هنا يمارس نوعاً من المراوغة فهو ينقل قولاً عن محمد عبده حين كان طالباً بينما الشيخ يوسف النبهاني لم يتحدث عنه حين كان طالباً بالأزهر, بل الأقرب للعقل انه كان هو والفاسد الماسوني الآخر سعد زغلول مجرد طلاب أزهر قبل ان يتولى جمال الدين الايراني افسادهما .. ابليس كان يعبد الله مع الملائكة قبل أن يعصى أمر الله بالسجود لآدم عليه السلام
ما نقلته هو ان ابليس كافر ولا يعنيني حاله قبل أن يعصي الله
فلماذا يخلط الكاتب الأمور ؟ هل تحدثت عن حاله حين كان طالباً ؟
ثم ان شهادة الشيخ محمد بخيت المطيعي لا علاقة لها بترك جمال الدين الايراني للصلاة أو شربه الخمر, بل هي شهادة عن أقواله وانه تختلف عن اقوال المستشرق الفرنسي رينان وما اسهل ان يدعي الانسان حالا غير حاله خلال وقت قصير يقضيه مع محدثه بالاضافة الى انه من نفس سن محمد عبده (فهو مولود في 1854 ومحمد عبده مولود في 1849) أي أنه كان طالباً حين كان جمال الدين يزور الأزهر ويحاول العبث فيه ولم يكن يملك وقتها من العلم ما يؤهله للحكم على منهجه
ثم كيف علم الكاتب ان اصل تهمة شرب الخمر للمتأفغن ولمحمد عبده هي ما قاله سليم عنحوري عن شرب جمال الدين للكونياك ؟
ما ادراه ان الشيخ يوسف النبهاني لم يكن يتحدث عن مشاهدات أخرى ؟
ثم حين حاول رشيد رضا في كتابه المشبوه ان ينفي موضوع شرب جمال الدين الايراني للخمر, قال ان سليم عنحوري ربما شاهده يشرب شيئا شبيها بالكونياك او قليلا من الكونياك للتداوي !!
فهاهو رشيد رضا يقر بان جمال الدين ربما شرب قليلا من الكونياك ولكنه يقول ان هذا ربما كان للتداوي !!
ثم ان الشيخ محمد عليش كان يضرب جمال الدين الايراني بالعصا ويطرده خارج الازهر, فلماذا يطرح الكاتب تصرفات الشيخ محمد عليش رحمه الله ويأخذ بكلام مرسل للشيخ محمد بخيت والذي كان بعد طالباً ؟
ولماذا يطرح كلام علماء الدين في اسطنبول ويتهمهم بعداوة جمال الدين الايراني ؟
المقال في الحقيقة من اسخف ما قرأت ومن اكثر المقالات التي قراتها تهافتا ولم ارد عليه في حينه الا لتهافت محتواه ولانشغالي بما هو أهم عن الرد على هذا الهزل
وللحديث بقية ان شاء الله
بعض المصادر
دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام
حقيقة جمال الدين الأفغاني
مذكرات السلطان عبد الحميد