تريد أن تفهم معنى الإلهاء ؟
لم أتحدث عن السجادة الحمراء بالأمس لأسباب كثيرة
من بينها أن من يتعامل مع الرأي العام قد يصمت عن موضوع ما حتى تهدأ العواطف وتفسح مكاناً للتعقل والتفكير السليم
وإليكم المعطيات
بلد منهارة اقتصادياً
أغلب أهلها تحت خط الفقر, والكثير انتقلوا إلى ما تحت خط الفقر بعد الانقلاب
بلد تعتبر المياه أمراً طبيعياً
يقطعها نهر النيل الذي ولدت فوجدته هكذا في مكانه
تعتبر نزول المياه من الصنبور أمراً طبيعياً كشروق الشمس
بلد يتعلم أطفالها أن حضارتها نشأت حول ضفاف النيل
فجأة تقرر احدى الدول الواقعة على النهر قطع المياه عن تلك البلد
وتبدأ بحجز المياه خلف سد حرض عليه الكيان الصهيوني
وبعد أن وافقت عصابة من العسكر الخونة على وثيقة بناء السد
ينخفض منسوب نهر النيل, فيضطرون لفتح بوابات بحيرة ناصر
فتغزو التماسيح محافظات الدلتا
في مثل هذا الوضع, تقرر العصابة أن تخاطب الشعب لتخفيض استهلاكه من المياه
ولكن مخاطبة الشعب مباشرة بمثابة الانتحار.
فالعصابة على الرغم من سيطرتها على القنوات, تحتاج إلى حيلة تلتف بها على أي غضب شعبي متوقع, فهم يتحدثون هذه المرة عن المياه .. عن الحياة نفسها
وفي الوقت نفسه, الخزانة أفلست وتحتاج إلى أموال!
فماذا يفعلون ؟
عصابة من اللصوص تريد أن تجردك من باقي ثيابك بعد أن نشلت حافظة نقودك
فماذا تفعل؟
يتفقون مع اثنين ليتشاجرا ويسب بعضهما البعض أمام الجميع
ولحبك المشهد يخرج احدهم سكيناً ويجرح الآخر
المشاهدون يلتفتون للمشهد
وبعضهم يندمج معه اندماجا كاملاً
بعض الطيبين يحاول منع الكارثة
ويتدخل أهل الخير للصلح بين الطرفين
على حافة المشهد يقف أحد أفراد العصابة يقوم بتسخين المشهد وعينه على الغلبان الذي سيتم تجريده من ثيابه.
تهدأ المشاجرة ولا يكتشف الرجل الطيب أنه قد سُرِق
ينصرف من المكان بعد أن أرضى فضوله ولكنه بعد خطوات يكتشف ضياع حافظة نقوده!
تلمع عيناه بالفهم ويطلق سبة بذيئة ما ويسرع إلى مكان المشاجرة
فيجد أن الجميع قد انصرفوا
يجلس على الرصيف لاطماً خديه وقد أدرك أنه انتبه إلى مشاجرة مفتعلة بينما اللصوص يسرقونه ولابد أنهم يتسلون الآن بتوزيع راتبه.
السجادة الحمراء
إذا أردت أن ترسم لوحة تلفت الأنظار, فأكثر فيها من اللون الأحمر
كيف يتم تمرير قرار رفع الدعم عن المياه ؟
ضع سجادة حمراء ومرر من فوقها موكب من السيارات
مع سيارة مصفحة
العاصفة ستعمل وحدها
فالمشهد نفسه مستفز
سيارات تمر فوق سجادة حمراء تساوي ملايين
ونحن رافضو الانقلاب نسرع بالطبع إلى التقاط كل ما يثبت أن عصابة الانقلاب مجموعة من اللصوص
وفي الحقيقة لم نكن بحاجة إلى السجادة الحمراء المليونية الثمن لندرك هذا, فنحن نعلم كم من المليارات نهب مرمطون نتن ياهو.
وبعد يوم ثارت فيه عواصف الرأي العام, وهي عاصفة مستحقة بالطبع ومن أخرجوا المشهد يدركون هذا بكل تأكيد
وبعد أن صب يوسف الحسيني المزيد من البنزين على النار المشتعلة فوق أهداب السجادة الحمراء, وبعد أن بدا للجميع أن موضوع السجادة الحمراء قد تخطى قدرات لميس العريقة على النفاق, ففتحت فمها للمرة الأولى لتوجه الانتقادات.
وبينما ينظر البعض متحيرين لهذا المشهد
ويفرح البعض بانتقادات يوسف الحسيني ويبالغ البعض الآخر فيلمح بعين الأمل تصدعا ما في جدار الرأي العام المتماهي مع العسكر
تبدأ ماكينات المعسكر الآخر في العمل من مكان ما لا تراه, فيلتقطها من حبسوا أنفاسهم من معسكر الانقلاب بالأمس ويتنفسون الصعداء, فأخيراً هناك تفسير مريح يُقال
وهناك ما يمكنهم به من تبرئة شاويش الانقلاب من تهمة إهدار الأموال في السجادة الحمراء, ويشتبك المعسكرين في معركة كلامية بعد أن حصل معسكر الانقلاب على سلاح يواجه بها الضربات التي ظل يتلقاها يوماً كاملاً.
وفي هذا المشهد, لك أن تتسائل
أين مشكلة رفع الدعم عن مياه الشرب والبدء في تناول مياه الصرف الصحي للشرب؟
من يتحدث عن نهر النيل الذي بدأ منسوبه في الانخفاض ؟
هل تسمع صوتاً ما يحدثك عن المجاعة القادمة ؟
هل خرج المتخصصون ليحذروا من خطورة رفع الدعم عن مياه الشرب ومردود القرار والمعنى الخطير خلفه ؟
هل تكلم أحد عن انتهاء الحياة التي نعرفها من مصر ؟
نتحدث هنا عن بدايات انتهاء الحياة كما نعرفها في مصر.
نتحدث عن تهديد مباشر على نهر النيل إن لم تكن قد أدركت هذا, نتحدث عن سكين يمر على رقبة مصر, فيذبحها.
كيف مرروا السكين ؟
ببساطة وجهوا نظر الناس إلى مشهد آخر وبينما هما ينظرون مرروا السكين على رقبة مصر.
سحروا أعين الناس.
هل خرجت المظاهرات العارمة لتعترض على القرار كما هو متوقع منطقياً ؟
لا
فمعظمنا كان منشغلاً بالسجادة الحمراء وحساب تكلفتها
وفقدنا ردة الفعل الغاضبة الأولى
من يديرون الرأي العام يفهمون تماماً طبيعة الشعب ويعرفون كيف يمكن التعامل معه
وقد يتشكك البعض فيما أقول, ولإخوتنا المتشككين أقول, اقرأوا إن شئتم كتاب “أسلحة الخداع الشامل” وهي دراسة جادة في أساليب الخداع التي تُستخدم في الإعلام الأمريكي ضد الجمهور, وكما أن الناس في الفقه عيال على رأي أبي حنيفة, فإن كل أجهزة الإعلام في العالم عيال على الإعلام الأمريكي.
والمفترض أن نكون قد بنينا فهماً معقولاً لأساليبهم خلال الفترة الماضية
والمفترض أصلاً ان ندرك أن خطر المجاعة يهدد مصر كلها