رغم حالة الركود السياسي واللامبالاة التي يبديها الشارع في مصر تجاه السياسة عموما في الفترة الأخيرة، ورغم رتابة إيقاع البرامج الانقلابية، لكنك لا تستطيع أن تقول أنك لا تشعر بالرغبة في الضحك وأنت تتابع تفاصيل الحملة الدعائية الجديدة التي دشنها إعلام الانقلاب للسيسي. ومع أن الفريق الإعلامي للسيسي يبدو أنه يفتقر بشدة إلى القدرة على الابتكار، لكن المسألة لا تخلو في الحقيقة من الطرافة. جولة واحدة بين قنوات الانقلاب أو عناوين الأخبار ستدفعك دفعاً إلى الابتسام.
قصة الحاجة صفية المسنة التي أنقذها السيسي من برودة الجو مع تعليق معتاد عن تقاعس المسؤولين، وهي مقارنة استهلكت في إعلام العسكر منذ بدايات صوت العرب. لكن الطريف في الأمر هو موضوع سيارات إنقاذ المواطنين التي تجوب الشوارع بحثاً عن مواطن يشعر بالبرد وتعليق أحمد موسى الذي أكد فيه أن “الدولة لا تترك أولادها”. من جانبه حرص عزمي مجاهد على التأكيد على أن ما يقوم به السيسي هو “إعجازات وليس إنجازات” وأنه “يبني مصر بخرسانة من التقوى والإيمان”، وأن العالم يحسد مصر!
فقرة طريفة
كانت أطرف الفقرات على الإطلاق هي فقرة المواطن الذي اتصل بعزمي مجاهد ليبدي رأيه في ضرورة تعديل دستور العسكر لأنهم على حد قوله “عايزين السيسي”، وهي فقرات كان من الممكن أن تصبح مثارا للنكتة في الشارع المصري لولا حالة الركود السياسي في مصر والناجمة عن موجات الغلاء المتعاقبة التي استطاع العسكر عن طريقها ترويض الشارع في مصر إلى حد ما.
ولا يغيب على أحد توقيت حملات التلميع هذه التي أطلقت مع دعوات لتعديل دستور العسكر للسماح للسيسي بالبقاء لمدة انقلابية جديدة بعد العام 2022. ويمكن القول إن إعلام السيسي يلعب في الساحة وحده بعد أن نجح الانقلاب في شغل الشعب بنفسه، بمعادلة غلاء وقمع أجاد إعدادها واللعب بها.
وأعقبت هذا بطبيعة الحال مجموعة من الأزمات الصغيرة على مقاس عسكري كالسيسي، مثل أزمة خالد يوسف الذي استغله الإنقلاب منذ خمس سنوات في عملية مونتاج لأعداد المتظاهرين في 30 حزيران (يونيو) والذي بدأ العسكر في ابتزازه بعد أن اعترض على تعديل دستور العسكر والذي ذكر في بيانه جملة، ربما كانت أكثر ما قيل عبثية في الفترة السابقة، حيث أكد في بيانه أنه ليست هناك أي صفقات بين ما سماه “الحكومة” وبين المعارضة بشأن تعديل الدستور، على حد قوله. وهذا كلام لا معنى له في الحقيقة، فأنباء الاجتماعات التي كانت تعقدها المخابرات لاختيار نواب برلمان العسكر، كانت تتسرب وقتها إلى الصحف والجميع يعلم أنه لم تكن هناك انتخابات من الأساس بل ولا يعلم أحد كيف كان خالد يوسف وغيره من المعارضين طيلة السنوات الماضية. وفكرة الحديث عن “معارضة” في أجواء اعتُقل فيها كل من حاول أن يرفع صوته قليلاً بالاعتراض ولو كان من داخل المنظومة الانقلابية هي فكرة عبثية بالكامل.
وإذا كان صدقي صبحي وهو شريك كامل للسيسي في الانقلاب، قد أطيح به بهذه السهولة من منصبه المحصن حتى بدستور العسكر، وهو يجلس أمام السيسي تبدو عليه علامات الرعب، فكيف بمن هم أدنى منه؟
وبعيدا عن بيان خالد يوسف، وعن أزمة حمدين صباحي الذي فتح الانقلاب معه تحقيقا يتهمه بالتحريض، فالسيسي يبدو متجها إلى تعديل دستور العسكر لتدشين الجمهورية السيسية ولا يبدو أن هناك ما يمنعه عن ذلك في مصر فديكور المعارضة التي اصطنعها السيسي لنفسه ليس قادراً على التحول إلى معارضة حقيقية تثنيه عن طموحاته.
وحقيقة الأمر أن الانقلاب في مصر رغم كل هذا، فالصورة ليست شديدة القتامة، فالانقلاب أفلس تماما وجمهورية السيسي تتداعى كل لحظة، ولم يعد لديه ما يقدمه على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا يحتاج الأمر سوى لحلول حقيقية يطرحها المعسكر المناهض للانقلاب.