لكي نجيب على هذا السؤال يجب عليك الإعتراف أولا أن 25 يناير كانت عملية مخابراتية مصنوعة بالكامل وكانت إنقلاب ناعم دبرته المخابرات الغربية للتخلص من العميل مبارك والإتيان بالعميل السيسي للبدء في مخطط خريطة الشرق الأوسط الجديد، الذي أطلق عليه ترامب فيما بعد (صفقة القرن)
وهي الأسماء الشعبية لمخطط (إسرائيل الكبرى)
وأنا هنا لا اقصد الأفراد العاديين الذين نزلوا بالملايين (أو بلغة السينما المجاميع) والذي كان نزولهم طبيعيا ولأسباب مشروعة، لأن هؤلاء الناس يمكن اجتذابهم واستدراجهم الى الشوارع بمؤثرات يعرفها جيدا من يجيدون تحريك الجماهير
أنا أتحدث هنا عن كيفية صناعة هذه المؤثرات خلال سنوات سبقت 25 يناير
25 يناير لكي تتم حدث تنشيط لكتل كبيرة من الشعب كانت كامنة على مدار عقود وهذا التنشيط لمن قرأ عن فن تحريك الجماهير (أو علم نفس الجماهير) يحدث بطريقة (هندسة الموافقة Engineering consent)
أي اطلاق عدد من الشخصيات اصحاب التأثير لبدء حشد الناس وتسخينهم
(مثل الجمعية الوطنية للتغيير ومثل حركة كفاية التي أسست قبل يناير بسنوات لهذا الغرض)
وأعقب ذلك إنشاء تجمعات ليست لها أيديولوجية مثل تجمعات الالتراس
(وهي تجمعات نشأت أساسا بهدف استخدامها كذراع ضاربة لتقوم بالأعمال التي تحتاج للمواجهة – ومرة اخرى اتحدث عن التكوين من الرأس ولا اتحدث عن أعضاء عاديين بهذه التجمعات)
ومرة أخرى هذا لا يعني ان المشاركين في هذه التجمعات كلهم يفهمون هذا بل القصة كلها فيمن يقف خلف الفكرة ثم يدعو إليها الباقين والذين يقبلونها لأسباب سياسية دون شك
عملية التنشيط هذه اعتمدت على عدة أساليب استغرقت وقتا طويلا بدأت منذ عام 2005 حين اعطت امريكا الضوء الاخضر لعميلها أيمن نور للترشح أمام المخلوع (وكان المخلوع عميل هو الآخر وكان اسمه على كشوف رواتب المخابرات الأمريكية منذ عام 1971 والعلاقة بالطبع أقدم بكثير والمعلومة منشورة في مصادر موثقة مثل كتاب مقدمة للإرهاب)
وملخص هذه العملية هي إخراج هذه الجموع من القمقم، أو تحريك حزب الكنبة، او اخراج قطع السردين من علبة السردين الضيقة
لأنه ببساطة حين تريد المخابرات الغربية (الأمريكية) تغيير عملائها تريد أن تظهر بشكل المحافظ على ديمقراطية الشعوب والداعم لرغبات الشعوب التي تحركت ضد من يحكمها
ولذلك كان من الطبيعي بعد نشأة تلك الجمعيات (حركة كفاية و جمعية التغيير وغيرها من الحركات والجمعيات والمؤسسات) أن تبدأ المخابرات في تحريك أذرعها الإعلامية الذي بدونه لن تتحرك هذه الجماهير
فبدأت سلسلة من الأفلام والروايات كلها تشجع الجماهير على التمرد، نفس الطريقة التي تم استخدامها فيما بعد في سنة الرئيس مرسي
كان الهدف من هذه الأفلام والأعمال الروائية هو دفع تلك الكتلة الصامتة إلى التحرك وأن تشعر بالغضب من كم الفساد الموجود والمتراكم
كانت هناك عملية تسخين تدريجية في مصر
ثم في المرحلة النهائية قبل انتفاضة يناير مباشرة كان لابد من الهجوم بشكل صريح على المخلوع ونظامه ومهاجمة عملية التوريث من خلال مقالات المرتزقة إبراهيم عيسى وغيره من الأقلام المأجورة التي كانت تتحرك تحت حماية المخابرات الحربية التي كانت تحت رئاسة السيسي منذ عام 2010، بترتيب من العميل طنطاوي
ولذلك وحين انقلب الشاويش السيسي على الرئيس مرسي ولأنه يعلم جيدا أصول اللعبة كان عليه أن يتخلص من أي صوت مؤثر مثل الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والذي كان يستطيع قيادة المصريين بالفعل لثورة حقيقية لما يمتلكه من وعي بالعسكر والاعيبهم ويفهم حقيقة دورهم وليس كالدراويش والمتأسلمين الذين يتحدثون عن (مؤسسات الدولة) و(الجيش الوطني) والحدود وتلك الخرافات العلمانية الطابع
ولذلك فإن الاجابة على السؤال لماذا لم ينزل أحد في ذكرى يناير؟ ولماذا لم يجرؤ أي شخص ممن يسمونهم (نخبة أو قادة المعارضة) على الدعوة للنزول؟
تتلخص باختصار في أن أي ثورة لابد لها من جهاز إعلامي واعي وإعلاميين يفهمون طبيعة المرحلة وعلى دراية بطبيعة الصراع وأنه صراع صفري، وتحتاج أيضا لقنوات تفرد مساحات بالساعات على شاشتها للأصوات التي تحمل فكراً ووعيا وليس لمجموعة من الأصوات التي شاركت في مظاهرات 30 يونيو والتي استخدمها السيسي للانقلاب
هذه الأصوات أو من يسمونهم قادة معارضة من أمثال أيمن نور لم تكن مهمتها تحريك الشارع أو دفعه للثورة، بل أن هذه القيادات والقنوات الإعلامية التي أنشأوها كانت مهمتها تبريد الحراك وتحويله إلى معارضة أو مصطبة للحديث على المظالم الحقوقية وبرامج الطبخ والديكور مثلها مثل قنوات السيسي، بل أن قنوات السيسي كلها كانت تعمل كأوركسترا متجانس لحفظ نظام السيسي وكذلك قنوات اسطنبول، كانت تعمل في نفس الاتجاه ولكن بطريقة مختلفة
كان المخبر أحمد موسى وباقي مخبرين السيسي يطبلون له ليل نهار في حين أن جمهور الشرعية الذي يشاهد قنوات المعارضة يشاهد مبادرات وعروض تصالح واصطفاف ليل نهار ويرى أعداءه الانقلابيين على الشاشة ويسمع من يوسف ندا واشباهه عروضا للصلح والانبطاح ولانتخاب عنان ويسمع من سياسيين جهلة وإعلاميين بصمجية ان #الجيش_المصرائيلي اولادهم وزوجاتهم وحمواتهم ، وأنهم يؤيدون جيش بلدهم إن ذهب يحارب إثيوبيا، ويؤيدون جيش بلدهم في حربه على (الارهاب) في سيناء وكل الهراء الذي يمكن أن يسمعه من أحمد موسى نفسه وعمرو أديب وباقي مجموعة المطبلاتية
فكيف لهذا الجمهور أن يتحرك أو يثور؟؟
تحريك الكتل الشعبية له مفاتيح معروفة وما اقوله كلام علمي يحتاج الى اطلاع وهو ليس رأياً شخصياً بل انا اقرر حقائق
تحريك الكتل الشعبية أمر ليس في مقدور من يتصدرون المشهد، ومعارضة الخارج تعمدت تشويه كل من يقول الحقائق ويتحدث خارج الصندوق، ويعمل على توعية الناس بحقيقة العسكر حتى لا يُسمع إلا صوتهم، لأنه باختصار معارضة تم تصميمها بالمقاس لكيلا ترفع سقف المعارضة الحقيقية المناهضة لحكم العسكر
ومن ناحية أخرى, فالعسكر او من يحركون العسكر يدركون تماماً قواعد اللعبة ويضعون الشعب في حالة من الإرهاق النفسي ونجحوا بالفعل في تطويعه نفسياً بالغلاء والمجازر الوحشية والقمع والاعتقال
فهم يتعاملون مع مناهضي الانقلاب كعدو ويصفونهم كأعداء في حين المعارضة الكيوت تصنف جيش السيسي بأنه جيش وطني ويدعون للحفاظ على مؤسسات دولة العسكر العميلة وكل ما يفعلونه انتقاد فساد السيسي فقط
كلامي هذا ليس لإحباط أحد، إلا إذا اعتبرت كلام الطبيب حين يصارحك بطبيعة مرضك هو إحباطك
كلامي وصف للحقيقة لكي نفهم جميعا طبيعة ما يحدث حولنا في المنطقة وأن تغيير العملاء دائما يأتي بأوامر غربية
وأن الشعوب للأسف لا تتحرك إلا بمؤثرات
وكما ذكرت من قبل أن تغيير السيسي نفسه سيكون مثل تغيير عبد الناصر والسادات والمخلوع الهالك
بمعنى أن من جاؤوا به هم من سيطيحون به
و كما كتبت من قبل أن عملية تغيير السيسى لابد أن تسبقها عملية (خلخلة) للسيسي وإثارة الغضب الشعبي ضده لتحريك الناس للنزول في انتفاضة شعبية محدودة تدعو لها بعض النخب العلمانية (الجديدة) المصنوعة في معامل المخابرات الغربية تلقى استجابة من داخل الجيش المـ صـ رائيلي الذي سيتحرك بالأمر للتخلص من السيسي في عملية انقلاب خشن (يرعاه الغرب)
ولكي يحدث ذلك لابد أن تلجأ القوى الغربية إلى خلق وجوه جديدة للمعارضة بعد أن احترقت كل الوجوه القديمة بما فيها محمد علي، لقيادة ذلك الحراك
ولكن بما أن السيسي يدرك تماما هذه الألاعيب الغربية لأنه كان جزء من الانقلاب الناعم على المخلوع فأنه لن يترك موقعه بسهولة وقد يؤدي تمسكه بمنصبه إلى إدارة حرب صغيرة يديرها من داخل العاصمة الادارية لمقاومة هذا الحراك ومن مراءه والتي قد تؤدي لاحقا إلى تدخل الغرب عسكريا وبشكل مباشر (مما قد يؤدي إلى بداية تقسيم مصر)
هذا الاحتمال يتوقف على رغبة الغرب في التخلص من السيسي والتي لن تحدث إلا بانتهائه من تنفيذ الاجندة الموكلة إليه
وهذا يعني ان كل من تصدروا المشهد من الأحزاب الاسلامية وما حولها لم يعجزوا فقط عن إدراك طبيعة الصراع، بل يعني أنهم جزء لا يتجزأ من النظام العالمي
وللحديث بقية إن شاء الله