في خضم فرحة الشعب الليبي بالحكومة الجديدة لابد من الوقوف على بعض الحقائق حتى نعلم هل يحق للشعب الليبي أن يفرح حقا أم أن عليه الحذر
فالمجلس الرئاسي الليبي الجديد يتكون من محمد يونس المنفي في منصب الرئيس وهذا الرجل كان يشغل منصب سفير لحكومة السراج في اليونان وهو من أشد مؤيدي اتفاقية السراج وأردوغان لترسيم الحدود البحرية
عبد الحميد دبيبة في منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وهو رجل أعمال ورئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة
وعبد الحميد دبيبة هو ابن مدينة مصراتة ولكنه كان يعيش في كندا و يرتبط بمصالح مالية وثيقة مع النظام التركي
أما ما لا يعلمه البعض عن عبد الحميد دبيبة فهو أنه مؤسس ورئيس تيار ليبيا المستقبل وكان من ضمن فريق عمل سيف الإسلام القذافي (ليبيا الغد) وأعتقد أن وجوده على رأس هذه الحكومة هو لصالح عودة ابن القذافي الذي تحدثت عنه في مقال كامل منذ أكثر من عام حين قرأت التقرير الذي نشرته مجلة بلومبرج الأمريكية عن أن سيف الإسلام القذافي هو اختيار غربي ويحظى برضاء روسي وأمريكي وأنه هو الحل الوحيد الذي سيُبقي ليبيا موحدة بدون تقسيم
ما لا يعلمه البعض أيضا أن هذه الحكومة بالكامل هي من اختيار ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ونائبة السفير الأمريكي في ليبيا (ستيفاني وليامز) التي قامت باختيار الأعضاء المشاركين في الحوار السياسي الذين انتخبوا هذه الحكومة والرئيس وبالتالي لم يكن للشعب الليبي أي دور في اختيار هذه الحكومة… الشعب الليبي في كلا الأحوال مفعول به وتحاك ضده المخططات فقط للإستيلاء على ثروات ليبيا
الملاحظ في طريقة اختيار أعضاء هذه الحكومة، وعلى الرغم من إعلان أمريكا أنها تعمل على إنهاء الصراع الليبي للإبقاء على ليبيا موحدة، إلا أن طريقة إختيار الحكومة الجديدة جاءت طبقا لإحدى خرائط تقسيم ليبيا والتي وضعها (سباستيان جوركا) منذ عدة سنوات وقبل أن يصبح مساعدا للبلطجي ترامب وهذه الخريطة باختصار تقسم ليبيا إلى ثلاث أقاليم تستند فيها على تاريخ ليبيا (والتي كانت مقسمة بنفس التفاصيل في تلك الخريطة) في عهد الدولة العثمانية حين كانت ليبيا مقسمة إلى ثلاث أقاليم
المهم أن خريطة سباتسيان هذه تقوم على التقسيم الفيدرالي (اللامركزية في الحكم) بنفس الطريقة التي تتم في سوريا حاليا وهذا معناه أن كل اقليم يكون له ممثلا في الحكومة وتعتمد على الإدارة أو الحكم الذاتي لكن في النهاية ليبيا بالكامل يحكمها رئيس واحد وهو ما يسمونه (الفيدرالية الفضفاضة)، والتي تبدو فيه البلد ظاهريا أمام شعبها والشعوب المحيطة أنها موحدة لكن الحقيقة أن كل منطقة تحكم نفسها ذاتيا، وهو نفس ما دعا إليه المدعو صلاح دياب في مصر حين دعا لاستقلال سيناء عن مصر في طريقة الحكم وهذا هو المخطط لمصر عموما حسب خرائط التقسيم الإسرائيلية الأمريكية
هذه الخطة قديمة وليست سرية بل ان صحيفة الجارديان البريطانية كشفت ملامحها منذ فترة طويلة ونشرت خريطة التقسيم التي تقسم الشرق الأوسط بكامله وليست ليبيا بالتحديد
وبالمناسبة هذه ليست الخريطة الوحيدة التي تحدثت عن تقسيم دول ودويلات سايكس بيكو إلى دويلات أصغر لمصلحة أمريكا وإسرائيل، فهناك دراسة خريطة حدود الدم التي قدما رالف بيترز ونشرها في مجلة عسكرية أمريكية في نفس العام تقريبا 2006 وهناك دراسة (استراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينات) وخطة برنارد لويس.
لماذا أتحدث عن هذه الخريطة وأنا أتحدث عن التشكيل الجديد في الحكومة الليبية التي تبدو أمام الجميع أنها توحد ليبيا؟
الملاحظ في هذه الحكومة أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي من مدينة طبرق، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة من طرابلس وهناك نية من الأمم المتحدة لنقل العاصمة الليبية من طرابلس إلى سرت التي تقع أصلا في محيط الهلال النفطي الذي يقع تحت الاحتلال الروسي، كما أن أحد النواب في الحكومة الجديدة من إقليم فزان وهذا يعني باختصار أن سفيرة أمريكا تنفذ على الارض مخطط التقسيم الفيدرالي على غرار سوريا( وهذا ما ستشاهدونه قريبا في سوريا تحت حكم المجرم بشار)
أن يكون هناك ممثل من كل الأقاليم في الحكومة على أن تظل ليبيا موحدة في ظل هذه الحكومة المؤقتة إلى أن يتم عمل انتخابات كنت قد تحدثت عنها من قبل لتنصيب ابن معمر القذافي
هل سيقبل حفتر بهذه الحكومة؟؟
من المتوقع ان هذه الحكومة قد لا تستلم مهامها في الحكم، بل قد يكون اختيار هذه الحكومة بمثابة إشعال فتيل الأزمة مجددا وإطالة أمد حرب الاستنزاف في ليبيا لأن باختصار المجرم حفتر لن يعترف بمثل هذه الانتخابات وبالتالي يظل المجرم حفتر مسيطراً على المساحات التي يسيطر عليها بالفعل ولذلك كان أول تعليق لي على هذا الخبر أنه بمثابة إشعال للموقف في ليبيا، إلا إذا قررت أمريكا التخلص من حفتر بشكل درامي على طريقة أفلام هوليود فترسل له قوات خاصة لاغتياله واغتيال السراج للتخلص من كل أعضاء الحرس القديم
وحتى لو تم التخلص من المجرم حفتر فلديك مجموعة أخرى (من الأوباش) كانت على القائمة الأخرى التي لم تنتخبها لجنة السفيرة الأمريكية وكل إسم من هذه الأسماء ضليع في الإجرام وعلى صلة وثيقة بالسيسي وقوى دولية أخرى
فعقيلة صالح الذي كان يمني نفسه بأنه سيصبح رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد ورئيس برلمان طبرق لن يجعل مهمة الحكومة الجديدة بهذه السهولة التي يتخيلها البعض
كما أن فتحي باشاغا والذي كان يشغل منصب وزير داخلية الوفاق لديه هو الآخر ميليشيات مسلحة وزار مصر مؤخرا وعلى علاقة وثيقة بالمجرم ماكرون وقام بعقد اتفاق أمني مع أحد المؤسسات الأمنية الفرنسية بموجب هذه الاتفاقية تستطيع المؤسسة الأمنية الفرنسية تحديد الهوية البيومترية لتحديد هوية الأشخاص وهذا يعني أنه بإمكان فرنسا تنفيذ أي عمليات اغتيال لأي شخصية في ليبيا
ولذلك أنا أرى أن هذا الإعلان هو بمثابة تأكيد خارطة الطريق العسكرية التي تريدها أمريكا لمنطقة الشرق الأوسط بالاتفاق مع بريطانيا وإسرائيل مما يؤدي إلى زيادة الاضطرابات في ليبيا والإبقاء على الصراع مشتعلا
** مرفق صورة ستيفاني وليامز مندوبة الأمم المتحدة ونائب السفير الأمريكي والمحرك الرئيسي للأحداث والتي اختارت هذه الحكومة