حاولتُ أن أكتب عن زيارة ميركل وفشلت فإغراء الكتابة عن اقتحام جبل الحلال كان أكبر من مقاومتي.
لابد أن مبروك شعر بالفخر ينتابه وهو يستمع إلى البيان العسكري رقم (1) من جبل الحلال. لابد أنه سارع إلى شاشة التليفزيون ليتابع أخبار العملية لحظة بلحظة مع مذيعه المفضل أحمد موسى.
الفيديو يتكرر بلا توقف مشهد السيارة الجيب أمريكية الصنع، وهي تقطع الطريق الأسفلتي المنبسط الطويل ثم لقطة مقربة لمدفع يدور!!
تساءل مبروك: أين جبل الحلال الذي يتحدثون عنه؟
ثم ما لبث أن استعاذ بالله من الشيطان الرجيم الذي أراد أن يفسد عليه حالة النيرفانا الوطنية التي يعيشها، وعاد ليتابع مشاهد الفيديو والجنود يسيرون بخطى مرتبكة وهناك كاميرا مسترخية ما تقوم بتصويرهم.. شعر مبروك أن الأمور ليست على ما لا يُرام، لكنه ما لبث أن طرد تلك الوساوس وعاد لمتابعة الفيديو. هناك جندي ما يطلق النار على حفرة فارغة على سبيل الاشتباكات. وبعيون دامعة وقلب يتوهج بالبهجة تابع مشهد بضعة رزم من النقود موضوعة فوق مقدمة سيارة. ثم انتابته القشعريرة حين بدأت أنغام أغنية (طالعين على أرض الفيروز) تتعالى من قناته المفضلة وهو يقرأ تصريحات علاء عابد عضو برلمان العسكر عن العثور على 600 مليار دولار في جبل الحلال وبطاقات هوية اجنبية ووثائق تنظيمية … الخ.
لم يعد مبروك يستمع إلى ما يُقال، فجأة حدث له ما يحدث للتليفزيون عند انتهاء الإرسال في التسعينات.. وشششششش.
رنين الرقم في أذنيه بدا له أعذب من نغمات آلاف الأغاني الشعبية التي يدمنها.
شرد بخياله وتصور كمية السكر التي يستطيع تخزينها لو نال نصيبه من الأموال التي عثروا عليها في جبل الحلال ثم استخفه الفرح وتمايل مع نغمات الأغنية.
كان المغني يصدح:
يا ناعسة ورجع لك أيوب .. عدى الكنال وجايب لك توب .. أخضر بلون وشم المحبوب.
تنفس مبروك الصعداء، كان مواطنا صالحا منذ البداية ودفع تحويشة العمر في أسهم ترعة السويس رغم كل السخرية التي أحاطه بها زملاؤه وأقاربه ورغم انهيار سعر الجنيه أمام الدولار وضياع تحويشة العمر، ظل مبروك صامدا أمام الجميع يؤمن أنه لابد من تضحيات لمحاربة الإرهاب ومجابهة التحديات وتجديد الخطاب الديني. وها هو بعد ثلاث سنوات من السخرية والنكات، يرفع رأسه بين زملائه وها هو جبل الحلال يعود لحضن الوطن بعد أن كان التكفيريون يخططون لافتتاح (نادي التكفيريين الدوليين) والدعوة لعدة مؤتمرات تكفيرية.
هذا الدجل الذي تمارسه الأجهزة على الشعب ليس جديدا، فالفيديو الفضيحة الذي نشره المتحدث العسكري تحت عنوان (تطهير جبل الحلال)، سبقته كومة من الفيديوهات التي أشبعنا بها إعلام العسكر عن نصر أكتوبر المزيف وجمعوا ولصقوا فيه عدة صور من مناورة أجروها بعد هزيمة أكتوبر بسنة.
والخبر الذي أعلنه عضو ببرلمان العسكر الذي تسيطر عليه المخابرات الحربية (والتي اعتقد أنها كانت خلف نشر ذلك الخبر لرفع المعنويات المنهارة)، يسهل نفيه عند الحاجة وتصبح الـ 600 مليار دولار مجرد 300 الف دولار في بيان المتحدث العسكري بعد ذلك، وهي في النهاية مجرد اختلافات بسيطة في رقم أو اثنين لا يعبأ بها أحد، فالمهم أن جبل الحلال قد تحرر من التكفيريين!!
وحتى إن جادلت أن الأهرام الانقلابية كتبت أن الجبل يمتد لمسافة 60 كيلومترا ويرتفع عن مستوى سطح البحر بـ 1700 متر، وأن مساحة كهذه تحتاج حربا وطائرات ومدافع وقوات تعبر في (ست ساعاااات) كما قال السادات، لرد عليك أحدهم، أن الجنود الذين جندلوا عدة ملايين من التكفيريين في سيناء لقادرون بدون شك على تحرير جبل الحلال مهما كانت الصعوبات ولاتهمك بانعدام الوطنية.
المهم الآن هل ستتمكن ذات الفستان البحراوي والجد الشرقاوي، المصرية من أرض الفيروز، (وهو دجل آخر منوا به الشعب بإعمار سيناء في تلك الأغنية التي تلت توقيع معاهدة الاستسلام) من العودة إلى جبل الحلال؟