آيات عرابي تكتب | الثورة على هؤلاء

كان رفاعة الطهطاوي واعظاً في ثكنة من ثكنات جيش محمد علي الذي يدربه الفرنسيون قبل أن يقع عليه الاختيار للسفر إلى فرنسا مع البعثة التي سافر معها وقبل أن يقع تحت ضروس المستشرقين الفرنسيين فيعود إلى مصر بعد سنوات محملاً بصندوق من الزجاج الملون جاء به من عند الرجل الأبيض ومحملاً بانبهاره بكل ما هو غربي.
كانت هذه الرحلة هي بداية التنظير للحدود والعلم والفكر الوطني كما نعرفه اليوم وهو فكر زاحم الإسلام واعتنقه رفاعة الطهطاوي وأمثاله من وعاظ الأزهر ولقى ترحيباً من منظومة الحكم الرسمي التي كانت ترعاها فرنسا ثم اصبح بالانتقاء الإعلامي فيما بعد فكر الدولة الرسمي.

كانت بداية رفاعة الطهطاوي واعظاً في جيش تدربه فرنسا صُنع من البداية على أساس فرنسي وهو فكرة (الجندي المواطن) .. الجندي الذي يحمي الحدود ويجري تجنيده اجبارياً (وهي فكرة شديدة العداوة مع فكرة الجيوش في الإسلام في جوهرها) .. في كتاب كل رجال الباشا تقرأ كيف أمر محمد علي بتوزيع وعاظ على الثكنات لوعظ المجندين الرافضين لفكرة التجنيد الإجباري بأن هذا جهاد !!
(فهل كانت هذه الفكرة الخبيثة فكرة محمد علي الدخاخني الجاهل أم فكرة رجال فرنسا الذين أحاطوا به ؟)
من هنا كانت البداية الخاطئة لرفاعة الطهطاوي والتي تطورت لما نعرف وهو من جاء بصندوق الزجاج الملون ليفتحه للسكان المنبهرين تحت حماية بنادق الدخاخني الشيعي الماسوني محمد علي الذي يرعاه ويوجهه قنصل فرنسا ورئيس المحفل الماسوني دروفيتي (وهو المحفل الذي كان يضم محمد علي نفسه تحت رئاسة دروفيتي).

من ناحية أخرى إذا حاولت البحث أسباب ما حدث بالأزهر وكيف اطيح به من عرشه, فستجد الإجابة في مقدمة المتنبي التي وصفت ما فعله محمد عبده بمناهج الأزهر وكيف خربها من الداخل وفرغها من مضمونها.
والرسالة غير معنية بحقيقة محمد عبده وماسونيته وعمالته للاحتلال البريطاني, بل هي معنية بكشف الزيغ الفكري والانحرافي الذي أحدثه محمد عبده في فكر الأزهر نفسه.
وما فعله محمد عبده في الأزهر باختصار هو أن قطع اتصال الدارسين بتراثهم ووشككهم فيه فأصبحت المواد التي تُدرس في الأزهر مثلها مثل أي شيء آخر وهي مسيرة اكملها فيما بعد المتنصر طه حسين.
من ناحية أخرى وفي مصادر محترمة للغاية ستقرأ عن ماسونية محمد عبده وأستاذه جمال الدين الإيراني الشيعي (وهي مصادر منها مذكرات الخليفة عبد الحميد نفسه) وإذا بحثت عن جمال الدين الإيراني باللغة الانجليزية ستقرأ أهوالاً.

ستقرأ عن علاقته بالماسونية هيلينا بلافاتسكي وهي من أسست لمذهب شيطاني وهي من كبار الماسونيين في الغرب واقامت فترة في مصر وفي الهند (ومارست في مصر انشطة مريبة منها تأسيس جمعية للسحر) وستقرأ عن علاقته بالمخابرات البريطانية (بل ستقرأ عن علاقته بالمخابرات البريطانية وتخطيطه لهدم الخلافة في مذكرات السلطان عبد الحميد نفسه) وستقرأ عن إقامته سنوات في روسيا.
وهي كلها أمور منافية لظاهر ما قاله والذي اعتمده الإعلام التابع لمنظومة الحكم الرسمية لوصف جمال الدين الإيراني بالمجدد الإسلامي.
(كانت كأنها عملية تخدير للأزهر وفي المقابل انشأ رجال بريطانيا مثل أحمد لطفي السيد وسعد زغلول ومحمد عبده نفسه وتحت إشراف بريطانيا و برعايتها جامعة القاهرة التي نشأت لتكون مفرخة للفكر العلماني)

وحين تقرأ عن الدول الخبيث الذي لعبه جمال الدين الإيراني وتقرأ ما كتبه عنه الخليفة عبد الحميد رحمه الله في مذكراته وعن فكرته التي عرضها على بريطانيا لهدم الخلافة والتي كانت تقوم على إقناع العرب بالمطالبة بها (وهو ما كان سيخلق صراعا على مركز الحكم نفسه يؤدي في النهاية لهدمه وهو ما نفذته بريطانيا بعد عزل الخليفة عبد الحميد بسنوات مع الشريف حسين)
هذه التغييرات الفكرية أدت إلى تغييرات كبرى في الواقع ونقلت المسلمين إلى هذا الواقع الذي يعيشونه الآن وهي تغييرات تحت حماية السلاح ثم بعد ذلك قامت الآلة الاعلامية الضخمة بغسل سمعة هؤلاء أمام البسطاء.

إذا أراد المسلمون تغييرا, فهذه هي البداية, نفض التراب عن حقيقة دور هؤلاء تحديد حقيقة المشكلة التي نعانيها اليوم والتي تتضح في أزمة بعض الحركات الاسلامية وهي تعايش الفكر الوطني المستورد من أوروبا منذ قرنين مع الإسلام والتنظير لهذا التعايش على أنه من الإسلام وهو ما أدى إلى ما نراه اليوم من انهزام فكري لبعض الحركات الاسلامية والتي عقد بعضها مؤتمر يعلن فيه ضرورة حماية مؤسسات الدولة !!
وهو ما يشبه أن ترى اسلامياً يحدثك عن فصل الدين عن الدولة !!

هذا الفيروس الذي وصل إلى عمق فكر بعض الحركات الإسلامية هو ما يجب علاجه ولن يُعالج الا بالثورة على الموروثات السخيفة التي جاءتنا بالتلقين من اعلام العسكر ومن نقل عنهم من الجهلاء بلا تدقيق.
التغيير يبدأ من الثورة على هؤلاء وعلى ما تركوه من جهل .. الثورة على ما سموه بالإصلاح الديني .. الثورة على فكرة الدولة الوطنية .. الثورة على فكرة الجيش الإلزامي .. الثورة على فكرة الحدود والثورة على ما يسمى بالفكر الإصلاحي والذي هو في حقيقته سم بثه المحتل عن طريق رجاله.

بعض المصادر : مذكرات السلطان عبد الحميد – دعوة جمال الدين في ميزان الإسلام – حقيقة جمال الدين الافغاني – كل رجال الباشا – أوراق البحر الأبيض المتوسط