آيات عرابي تكتب| (الدولة المصرية) قامت من أجل “إسرائيل”


والمقصود هنا ليس أرض مصر, بل الكيان السياسي الذي نشأ منذ قرنين في عهد عميل فرنسا محمد علي, المقصود هنا هو الدولة الحدودية العلمانية التي يحكمها نظام عسكري وجيش إلزامي والتي فصلوها عن الجسد الاسلامي. 

ولأن “اسرائيل” دولة صغيرة من نسيج مغاير لما حولها فإنها لا تحتمل حرباً حقيقية مع محيطها, لذلك كان من الضروري ان تُدار نزاعاتها مع من حولها على طريقة الإخراج السينمائي وأعداء تصنعهم هي, لا تختارهم فقط بل هي التي تصنعهم. 

بحيث يرى المشاهد جيوشاً تتحارب بينما هي جيوش تتحرك في الحقيقة حركة محسوبة, يصدر لها الأمر بالحرب فتحارب ويصدر لها الأمر بالانسحاب فتفر, ويصدر لها الأمر بالتوقف فتتوقف !! 

ولذلك فإن حرباً مثل تمثيلية أكتوبر والتي تمت بمائة الف جندي مصري كان من الممكن (لو لم تكن تتم وفقاً لسيناريو معد مسبقاً) أن تمثل خطراً وجودياً على “إسرائيل” 

ولذلك فإن محاولة تبرير نتيجة تلك التمثيلية بأي أسباب هو نوع من الهلوسة المتقدمة لا تخرج الا من عقول تربع فيها وهم الدولة واخفى الحقيقة فخرجت تلك التفسيرات التافهة. 

ولأن “اسرائيل” دولة صغيرة ولأنها “وطن” قومي لليهود فقد كان من الضروري تجزئة الكتلة الاسلامية الكبرى حول فلسطين ثم إعادة بلورتها حول أسس مختلفة عن الاسلام وهي (الوطنية) لتكون دولاً (على مقاس) “اسرائيل” 

وحتى يمكن زراعة “دول وطنية” كان لابد من زرع فكرة الدولة أولاً قبل اقامة “اسرائيل” ولذلك فإن زراعة ما يسمى بالدولة المصرية سبق “اسرائيل” بما يزيد قليلاً عن قرن ونص (اذا حسبنا فترة علي بك الكبير) 

ولذلك فإن مولد فكرة الدولة في مصر مرتبط بشدة بولادة “اسرائيل” ويمكن لأي شخص بمراجعة بسيطة لارهاصات فكرة الاستقلال عن الدولة العثمانية في مصر وإنشاء دولة مصر, ان يدرك مدى ارتباط فكرة الدولة بـ “اسرائيل” فمشروع علي بكل الكبير كان مرتبطاً بإقامة دولة يهودية في فلسطين, ثم جاء الاحتلال الفرنسي لمصر ليطلق نابليون أول نداء لليهود لاستيطان فلسطين, ثم وافق محمد علي (وهو عميل لفرنسا بدأت في عهده فعلياً اقامة ما يسمى بالدولة المصرية) على انشاء مستعمرات لليهود في فلسطين. 

وحتى يمكن إنبات فكرة الدولة, كان من الضروري عزل مصر فكرياً وجغرافياً عن محيطها الإسلامي, فكانت حركة التغريب في عهد محمد علي والتي انبتت فكرة “الوطن” وهذه الفكرة هي نوع من العدوى يضمن صعوبة استعادة برنامج التشغيل الإسلامي الأصلي, ليصبح هناك في كل إقليم محيط بفلسطين من يتغنون بالوطن الذي تديره (الدولة) بمؤسساتها والتي عمودها الفقري (الجيش) وليصبح كل حزب بما لديهم فرحون وينسى هؤلاء المغفلون وهم يتغنون كل واحد بوطنه المزعوم ان وطنه هو (لا اله الا الله محمد رسول الله ) 

ثم كان العزل الجغرافي عن طريق قناة السويس (وقد سبق أن كتبت في هذا الموضوع)

وحتى يمكن حماية فكرة الدولة كان لابد من تغييب فكرة الجيوش في الإسلام والتي تجعل من كل المسلمين أفراد في جيش المسلمين وقت الحاجة, وتجعل من فكرة الجيش فكرة مرنة تستجيب للظروف المختلفة. 

كان لابد من تغييب هذه المباديء الإسلامية لصالح مبادئ جديدة تقوم على احتكار القوة لفصيل معين من المجتمع يجري اختياره بعناية (كانت أول مجموعة من ضباط جيش محمد علي الذي دربته فرنسا من الـعـبـيـد أهداهم الأمراء لأول جيش إلزامي) فكان ان تم التخلي عن فكرة الحرب تحت راية لا اله الا الله محمد رسول الله كما فهمها محمد علي لاعب الملاكمة الأمريكي المسلم رحمة الله عليه والذي رفض الحرب في فيتنام قائلاً (نحن المسلمون لا نحارب الا تحت راية الله ورسوله ), تم التخلي عن هذه الفكرة لصالح فكرة الجيش الإلزامي المتكون من ضباط وجنود (مواطنون) في الدولة الحدودية يحمون الدولة (أوتوماتيكيا يحمون النظام الذي يحكم الدولة الذي يعينه الاحتلال وبالتالي هم جيش احتلال بالوكالة حتى لو لم يدرك افراده هذا وحتى لو تقافز مغفل ما ليحدث الناس عن جيشه الوطني وانتصاراته الوهمية) 

وداخل (الدولة) كان لابد من ايديولوجيات سياسية يجري حقن بعض قطاعات السكان بها لتعمل كمصدات ضد الإسلام ثم (وفي مراحل متأخرة) جرت صناعة كيانات اسلامية تعمل لصالح الدولة التي تعمل بدورها لحماية “إسرائيل” (حزب النور مثالاً) وهذه الأيديولوجيات السياسية تعمل من خلال واجهات تسمى الأحزاب .. الخ 

ولضمان المزيد من التشرذم, جرت صناعة انتماءات فرق كرة القدم وهذه تضمن المزيد من التشرذم بالاضافة إلى استخدامها كسلاح للالهاء. 

وهكذا تدور تروس آلة عملاقة غير مرئية لتنتج عينات من المغفلين (منهم المواطن العادي ومنهم النخبة) يهتفون للوطن والمؤسسات غير مدركين ان سذاجتهم هذه هي خط دفاع من عدة خطوط دفاع عن فكرة الدولة التي تحمي بدورها “إسرائيل”. 

وهكذا وقبل أن تقوم “اسرائيل” في فلسطين المحتلة, قامت الدولة المصرية قبلها لتكون عدوها المستقبلي (المختار على مقاسها) ولتكون مؤسساتها هي حاميتها وليكون جيشها هو قوات الشرطة التي تفرض النظام على الشعب لحماية “اسرائيل” حين يلزم الأمر وهو ما قام به #الجيش_المصرائيلي في مصر وجيش المجرم بشار في سوريا. 

وعودة إلى فكرة الإدارة بالسينما, فـ لحماية “اسرائيل” كان من الضروري أن تكون كل النزاعات التي تدور بين “إسرائيل” والدول المحيطة بها نزاعات أشبه بحركة المجاميع في مشاهد التصوير الخارجي للأفلام يشرف عليها مخرج ما ! 

ولأن المجاميع التي تحارب من الجانبين لا يمكن السيطرة عليها بنفس الطريقة التي تحدث في السينما, فكان لابد لـ”اسرائيل” بعد أن جرت صناعة الدويلات المحيطة بها وإنشاء مؤسساتها, أن تضع رجالها في مواقع صناعة القرار في تلك الدويلات, وهؤلاء يتم التحكم فيهم عن طريق تجنيدهم من البداية. 

وبهذا يصير تنفيذ تمثيلية كتمثيلية أكتوبر أمراً يسيراً, فرئيس الدولة العميل يحرك الجيش بالأمر ثم يصرخ ستووووب فيتوقف المشهد, ثم يأمر بتطوير الهجوم لتنفتح ثغرة ثم يأمر بالتفاوض في الكيلو 101 … الخ 

وحتى يؤدي العملاء (رؤساء الدول) عملهم على أكمل وجه, وحتى تؤدي تلك الجيوش (العدو المختار) عملها على أكمل وجه, فلابد من الهالة الاعلامية وهي أمر لا غنى عنه وهي غلاف الحماية الداخلي وهكذا يظهر الزعيم الملهم ثم الزعيم المؤمن ثم المخلوع ثم المحروق .. الخ 

وللحديث بقية ان شاء الله