ما أهميتهما لمحاربة الانقلاب ؟
تسائل أحد الأخوة بالأمس على منشور (تنصر طه حسين), مستنكراً
(الراجل مات الكلام ده سواء صح او غلط هيفيد بايه ؟)
آخر قال في تعليقه : “كفاية تشويه للرموز حرام عليكي” وثالث قال “كفاية تشكيك”
وأخرى اخذت تحسبن عليّ عدة مرات !!
البعض يعتبر الحديث عن هؤلاء فراغ ونبش في الماضي لا يفيد وعندما تكتب عن موضوع كهذا, تقرأ تعليقات من نوع (خلينا في اللي احنا فيه)
والحقيقة ان (اللي احنا فيه) لم يأت من فراغ وهؤلاء كانوا أحد أهم اسبابه وإن شئت الدقة, أهم أسبابه
العسكر حين بدأوا في بناء دولتهم, في عهد محمد علي (محمد علي هو الآخر كان عسكر) وضعوا الأساسات المؤسسية ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الأساسات الفكرية ويمكننا القول أن مصر مرت بثلاث مراحل تبعية, الأولى كانت التبعية لفرنسا (منذ عهد محمد علي وحتى عهد اسماعيل) والثانية هي التبعية لبريطانيا منذ الاحتلال البريطاني وحتى انقلاب يوليو 1952 والثالثة هي المرحلة الأمريكية والتي تخللتها فترة سوفييتية قصيرة (دفعت أمريكا عبد الناصر في اتجاه الاتحاد السوفييتي بعد أن دبرت له انقلابه ورسخت مؤسساته وسأكتب عن هذا ان شاء الله).
كانت المرحلة الفرنسية هي مرحلة العزل عن الاسلام ووضع أساس الدويلة المصرية المصطنعة وغرس بذرة المؤسسات.
ثم جاءت المرحلة البريطانية وكانت مرحلة الهدم الفكري الممنهج للعقيدة وترسيخ التغريب الذي بدأته المرحلة الفرنسية.
وبعدها جاءت المرحلة الأمريكية وهي مرحلة تعزيز بوليسية الدولة واعادة هيكلتها لتصبح دويلة خادمة للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
لم تهدم أي مرحلة منهم ما سبقتها بل بنت عليها, واستفادت من أفكارها وطورتها, لذلك تجد مثلاً أن الاحتلال البريطاني لم يهدم فكرة المؤسسات بل قام بهيكلتها وتجد أن المخابرات الأمريكية لم تهدم الأجهزة البريطانية ولم تعاديها بل طورتها واشرفت على اعادة هيكلتها لتناسب المرحلة, وكان أول ما قام به المقبور عبد الناصر هو تولي وزارة الداخلية وكان ضابط المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند يزوره في مقرها يوميا ويتناول معه غداءه ويشرف على هيكلتها كما تفهم من مذكراته, وتجد تحديداً للاختصاصات وبناءً لأجهزة القمع وتعميقاً لحالة التغييب عن طريق بناء ممنهج للمنظومة الإعلامية, فالكلب البوليسي يلزمه أيضاً صفارة.
ولكن أخطرهم على الاطلاق كانت المرحلة البريطانية وهي مرحلة الغزو الفكري ولنكن أكثر دقة (مرحلة الفيروس الماسوني الذي اخترق المجتمع عن طريق انتشار المحافل الماسونية والصالونات الأدبية (الماسونية) كالأورام في الجسد, يطفح منها القيح الفكري وتشل حركة المجتمع وتمهده لما جاء بعده.
وتميزت هذه المرحلة بالخبث الشديد وتقديم السموم الفكرية باسماء من بني جلدتنا, يتكلمون لغتنا ويدعون الانتماء لديننا وهم عملاء يستخدمهم اعداءنا.
والعمالة قد تكون عمالة فكرية وتوافقاً مع برامج العدو وخطوطه وليست بالضرورة تلك العمالة القحة التي تصورها الأفلام عن الجاسوس الذي يصور الميكروفيلم ويكتب الرسائل بالحبر السري, العمالة ليست بالضرورة ذلك المفهوم التليفزيوني الساذج بل قد تتعدى ذلك إلى كاتب يكتب بتوجيه من بعضهم, أو سياسي يتخذ موقفاً لأن لديه جمعية تتلقى تمويلاً من الخارجية الامريكية .. الخ
مفهوم العمالة اكثر اتساعاً من ذلك المفهوم الساذج الذي يسوقه المخبر أحمد موسى لبسطاء العقول.
في تلك المرحلة, فُتحت صنابير الفكر العفن على الشعب, وبدأت بانشاء جامعة القاهرة والتي كان أساسها أنها كانت بديلاً علمانياً عن الأزهر لتقدم للمصريين تعليماً علمانياً منفصلاً عن الدين وقد نجحت الفكرة أيما نجاح وفرخت جامعة القاهرة أجيالاً مشوهة تحمل شهادات الدكتوراة ويظنها الظمآن ماء بينما هم في ميزان الدين ومن بعده ميزان الوعي, جهلاء ضالين.
تقول أن الرجل مات والحديث عنه لا يفيد ؟
حسناً الرجل كان عميد كلية الآداب ثم مدير جامعة الاسكندرية ثم هو من أسس جامعتي عين شمس وأسيوط وصار وزيراً للتعليم سنة 1950 (ومع أنه كان وزيراً في عهد فاروق, فلم يعاديه انقلاب يوليو 52 بل كرمه المقبور عبد الناصر وفُتحت له الشاشات والصحف على عكس ما يُفترض) وصارت كتبه تُفرض على الناس وسموم المستشرقين التي تشربها تُضخ في عقول الطلبة حتى بعد ما مات.
نعم مات لكن سمومه ما تزال حية تسري في العقول.
قد تستغرب حين تقرأ كتاب (في صالون العقاد كانت لنا أيام) حين تعلم ان خريجي أقسام معينة من جامعة القاهرة كان يجري توزيعهم على الصحف (وهم من شكلوا جزءاً كبيراً من وعي البسطاء).
في هذه البيئة الفكرية العفنة نشأت فكرة الأحزاب لدى البريطانيين, فكان حزب الأمة العباءة التي خرج منها حزب الوفد ربيب بريطانيا وكانت الليبرالية ومن بعدها الشيوعية وباقي تلك الأفكار التي ما يزال البعض يعتنقونها.
من الصعب أن تقول لأحدهم أنه ضال وأنه عاش حياته مخدوعاً وأن ما يعتنقه وهم وأن ما يسمعه أكاذيب.
لماذا العقاد وطه حسين وأحمد لطفي السيد ؟
البعض يقول أن طه حسين تاب قبل وفاته وقبل الحجر الأسود باكياً والبعض يستشهد بعبقريات العقاد بل ويعتبره مفكراً اسلامياً.
وتوبة طه حسين لا تعنيني من قريب ولا من بعيد ولست أنا من يحاسب العباد, فهذا من سلطات الله عز وجل. انما يعنيني تأثيره.
هذا الرجل صار وزيراً للتعليم وقبلها كان مدرساً بجامعة القاهرة وفرخ أجيالاً كارهة للاسلام مهزوزة العقيدة.
الحرب كانت في البداية حرباً فكرية.
ما جرى في المرحلة البريطانية هو طمس كامل للهوية .. عملية استبدال سوفت وير إن شئت الدقة.
جهة ما فتحت على الشعب صنابير العفن الفكري, ففي عام واحد (1925) صدر كتابان يحملان اسمين مصريين, كتاب (الإسلام وأصول الحكم) والذي قال فيه علي عبد الرازق أن الخلافة نكبة وأن الدين في الاسلام ينفصل عن الدنيا, أي أنه إجمالاً قال بفصل الدين عن الدولة, وهو الكتاب المحبب لدى العلمانيين حين يتكلمون عن الاسلام باعتباره ديكور تاريخي غابر.
حسناً
هذا الكتاب, اعترف صاحبه (وكان ماسونياً بالمناسبة) بأن من كتبه هو طه حسين.
وحين ترجع إلى كتاب (في الشعر الجاهلي) الذي كتبه طه حسين (والذي صدر في نفس العام) تجد أن الكثيرين يتفقون على أن من كتبه لطه حسين هو المستشرق اليهودي مرجليوث.
(قصة الكتاب اعقد قليلاً من هذا التبسيط)
فإذا علمت أن الرجل تنصر وجرى تعميده في فرنسا, وأن عدة جامعات أوربية سلحته بعدد من شهادات الدكتوارة, ليجري تقديمه للمصريين على أنه (عميد الأدب العربي).
بل اقرأ في مذكرات زوجته عن احتفاله بأعياد النصارى وسجوده أمام صورهم.
ثم حين كفره الأزهر بسبب كتابه هذا الذي انكر فيه وجود أنبياء الله ابراهيم واسماعيل, اتدري من دافع عنه من بين آخرين دافعوا عنه دفاعاً شرساً ؟
انه العقاد صاحب العبقريات والذي كان موظفاً في جهاز الدعاية البريطاني, حيث كتب مقالاً في جريدة البلاغ يشيد فيه بكتاب احتوى على الكفر.
فهل قرأت كل هذا قبل أن تتحدث عن (المفكر الاسلامي) ؟؟
ولتدرك خطورة الحديث في هذه الأمور على دويلة العسكر ونظامها كله وخطورة أن يخرج الناس من الشرنقة الاعلامية ويدركوا الحقيقة, اقرأ ما كتبه الأستاذ جابر رزق في مقدمة كتابه (طه حسين الجريمة والإدانة).
وكان عبارة عن مجموعة مقالات نُشرت في مجلة الإذاعة والتليفزيون بهدف زيادة التوزيع وتناولت الرأي الآخر في طه حسين. لقد هال الرجل رد الفعل على المقالات وكتب عما نشره رئيس تحرير مجلة أكتوبر وقتها (سنة 1982) والتي قال فيها : أنتم تهدمون زعماء مصر .. عبد الناصر والسادات وطه حسين !!
واقرأ في نفس المقدمة, عن الحملة الشرسة التي شُنَّت في عدة صحف ومجلات وقتها ضد هذه المقالات حتى طالب بعضهم وقتها بإقالة رئيس تحرير المجلة.
واقرأ في نفس المقدمة كيف تدخلت أجهزة الدولة لوقف نشر تلك المقالات ونشر مقالات (في نفس المجلة) للرد عليها.
العسكر يدينون بدين بديل, لا يحتفظ من الاسلام الا باسمه وتحته كل ما يتسع له خيالك من عداوة للاسلام, وهؤلاء كانوا رسل العلمانية والتخريب والتشكيك في الاسلام وبعضهم كتب بطريقة خبيثة تنطلي على البسطاء, فيبتلعون تلك السموم دون أن يدروا, حتى في كتب العبقريات.
منذ شهور كتبت لأول مرة عن تنصر طه حسين, ووقتها كتب البعض ضدي في بعض صحف الانقلاب يسخفون ما كتبته (وكنت فقط ناقلة لمقال الراحل مجدي ابراهيم محرم), واكتشفت بالأمس فقط أن احد النكرات في قناة انقلابية ضايقه بشدة ما أكتب فلجأ للسباب والتطاول على العرض, وحاول الظهور بمظهر القاريء, بينما لا تتجاوز قدراته, استضافة راقصة درجة عاشرة.
وحتى تدرك خطورة ذلك المدعو طه حسين وأن فكره مايزال سماً يسري مفعوله حتى الآن, يكفيك أن تعلم أن الجملة التي قالها رويبضة الانقلاب (الحدوا بس ما خرجوش من الاسلام) وهو كلام كفر صريح, أساسها مقولة لطه حسين عن العقل الكافر والضمير المؤمن (ربما كان من وضعها على لسان رويبضة الانقلاب شخص كيوسف زيدان, حيث يصعب تصور أن بإمكان ذلك الرويبضة راسب الإعدادية أن يقرأ أصلاً)
الحقيقة أن النبش في حقيقة الزنادقة, طه حسين والعقاد وأحمد لطفي السيد وغيرهم, هو حفر تحت الأساسات الفكرية لدويلة العسكر, وفضح هؤلاء هو تجريد لدويلة العسكر من سلاحها الفكري الذي تتسلط به على الناس وهو أمر لا يقل أهمية عن فضح حقيقة الجيش المصرائيلي.