(شهادة حسن التهامي على خيانة عبد الناصر ودوره في مسرحية 67 وتسليم سيناء للعدو وحقيقة مقتل عبد الحكيم عامر)
تنبع أهمية شهادة حسن التهامي من محورية دور الرجل في المراحل المختلفة لدولة العسكر, فقد تخرج من الكلية الحربية سنة 1942 ثم عمل ضابطاً بالمخابرات الحربية في الوقت الذي بدأ فيه اتصال المخابرات الأمريكية بدوائر المخابرات في مصر وبدأت تدريب المخابرات الحربية حيث تشكل أول مكتب للمخابرات الأمريكية سنة 1943 والذي كان يرأسه كيرميت روزفلت (المسؤول عن تدبير انقلاب 1952 وعن جمال عبد الناصر نفسه) بالإضافة إلى أنه كان من أوائل تلاميذ عزيز المصري رئيس أركان الجيش (الرجل الماسوني الذي شارك في الانقلاب على السلطان عبد الحميد وأحد أهم مبعوثي الماسونية في مصر والرجل الذي ادار عملية توجيه مصر نحو المرحلة الصهيو – عسكرية \ راجع منشور سابق تفصيلي عن عزيز المصري) وحسن التهامي كان عضو خلية عبد الناصر فيما عُرف باسم تنظيم الضباط الأحرار وكان ضابط الاتصال بالمخابرات الأمريكية ومنسقها اثناء تأسيس المخابرات العامة سنة 1954 وهو المهندس الخفي خلف الاجراءات التي دفعت بها المخابرات الأمريكية عميلها عبد الناصر إلى أحضان السوفييت (وإن حاول تصوير الأمر على نحو مختلف), وربما كانت العلاقة العميقة للرجل مع المخابرات الأمريكية هي التي ابقته مقرباً من عبد الناصر طوال سنوات حكمه ومقرباً من السادات فيما بعد وهو أحد اللاعبين الأساسيين في تنسيق مسرحية حرب أكتوبر ثم منسق اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها السادات وهو الذي ادار الاتصالات السرية بموشيه ديان أثناء التحضير لاتفاق السلام مع الكيان الصهيوني والرجل رغم أنه يخفي الكثير ويحاول إضفاء هالة من النزاهة على دوره إلا أنك تستطيع التعرف على حقيقة دوره من خلال القراءة بين السطور, من هنا وعلى الرغم من أن الرجل يخفي الكثير, تأتي أهمية شهادة الرجل والذي يعتبر (يد المخابرات الأمريكية في مصر) لتكشف الجانب الحقيقي لتلك الحفنة من العملاء التي اطلقتها المخابرات الأمريكية على مصر منذ عام 1952.
اقرأوا معي هذا الجزء الهام لتعلموا حقيقة عبد الحكيم عامر وحقيقة عصابة الضباط الرعاع:
وأهم ما بلغني أن عبد الحكيم عامر الذي قيل إنه مات بالسم وانتحر, كانت قد صدرت إليه الأوامر من عبد الناصر بأن يتوجه إلى مركز القيادة في سيناء هو وطاقم القيادة في صباح يوم 5 يونيو الساعة السابعة صباحاً.
وكان من عادة المشير عبد الحكيم عامر أن يوقف عمل بطاريات الصواريخ عن الاطلاق عندما يسافر جواً إلى سيناء أو منطقة القناة أو العودة منها, وصدرت التعليمات لبطاريات الدفاع الجوي بالتوقف عن العمل خوفاً من أن تلتقط الرادات طائرات المشير وتسقطها خطأ. وحدث أن واجه عبد الحكيم عامر في الجور أسراباً من الطائرات الإسرائيلية ولم يكن مفاجأ بذلك, لأنه علم من عبد الناصر مسبقاً أن هذا التوقيت – من 7 إلى 8 صباحاً- هو التوقيت المنتظر للهجمة الجوية الإسرائيلية. وحدث أن أدار عبد الحكيم عامر طائرته, وعاد إلى القاهرة بأقصى سرعة, تتبعه المقاتلات الإسرائيلية. ونزل من طائرته التي وقفت بمجرد إمكانها الوقوف على ممر الطائرات ونزل مسرعاً إلى مبنى المطار. وكانت الطائرات الإسرائيلية لحقت بهم, واطلقت نيران رشاشاتها على طائرة عبد الحكيم عامر وهي على الأرض.
وعلمت أيضاً أن عبد الحكيم أبلغ عبد الناصر بالتليفون فور نزوله جرياً من الطائرة بما حدث وسأله سؤالاً صريحاً :
نعمل إيه يا ريس ؟
فكان رد عبد الناصر
انسحاب يا عبد الحكيم !
ولما قابلت عبد الناصر قلت له : قبل أن تكلفني بالعمل معك سأسألك عدة أسئلة, لأعرف منك الحقيقة.
فسألته على وجه التحديد .. الآتي بالضبط .. حرفياً دون زيادة حرف أو نقصان كلمة :
انت كان عندك خطة الهجوم الاسرائيلي, وجاءتك من باريس, وكانت تحدد بالضبط وقت الهجوم وتفادي الهجوم والإجراء المعتاد .. فكان رده :
أيوة !
سألته : هل أخطرت عبد الحكيم ؟
قال : أيوة .. هو كان يعرف !
سألته : يا ريس أمال طلعته ليه في الجور الساعة السابعة صباحاً, وانت تعرف موعد الهجوم الكاسح ؟ !
قال بالحرف : أيوة .. أنا قلت يطلع في السادة دي .. هو قاعد في مصر يعمل إيه ؟ !
فسألته : عندما اتصل بك عبد الحكيم من مطار ألماظة بالتليفون يسألك عن تعليماتك في التصرف قلت له : انسحاب يا عبد الحكيم ؟
قال جمال : أيوة .. أيوة قلت له : انسحب يا عبد الحكيم.
قلت له : بعد هذا .. هل شرحت له أو عرفته بكيفية أو خطة الانسحاب, إن كانت على مراحل, او فورية, ولغاية فين ينسحب ؟
فقال : ده شغله .. ما سبق انسحب الجيش عام 1956.
قلت له : كان من الممكن أن تنسحب القوات من سيناء, وتظل ممسكة بقناة السويس, أي تبقى بالضفة الشرقية والغربية, لأن قناة السويس تحمي ظهر القوات إذا وقفت في شرق القنال . فأنا استفسر منك .. هل قلت له أن يترك قناة السويس ؟
قال بكلام قاطع : أيوة قلت لعبد الحكيم انسحب غرب القناة.
فسألته سؤال آخر : عبد الحكيم .. هل مات أو انتحر ؟
قال : أنا كانت عايز تنتهي المشكلة بيني وبين عبد الحكيم لأنه كان عايز يعمل تحقيق في أسباب الهزيمة, وكانت دي المشكلة. أنا قلت عبد الحكيم ييجي عندي هنا البيت, وييجي معاه اثنين من أعضاء مجلس الثورى القدامى ونحاول ننهي المشكلة. وأنا فهّمت الكلام ده للاثنين, (وهم كانوا أنور السادات وعضو آخر لا يزال على قيد الحياة) ولما حضر عبد الحكيم معاهم أنا طلعت فوق في دور السكن. ورفضت أقابله. وهم طلبوا منه أن ينهي هذا الموقف. فقال لهم : يعني آخد برشامة السم اللي شايلها معايا, وبعد جدال عنيف بينهم أجابوه بالإيجاب : أيوة يكون أحسن. فدخل عامر دورة المياه الموجودة بمكتب – عبد الناصر – وبابها مفتوح, وكشف عن صدره, استخرج كبسولة السم (أكونتين) وابتلعها أمامهم. ولكن هذه الكبسولة لم تكن كافية لقتل عبد الحكيم لأنه كان عنده مناعة ناتجة من كثرة تدخينه. ولما لم تؤثر فيه هذه الكبسولة من الإغماء أعطى السم مرة أخرى.
ويقول التهامي :
إن السم الثاني الذي أعطي لعامر كان من نوع آخر, لم يحتمله أكثر من ثانية واحدة. وعرفت أنه كان سم (السيانور). وعلمت فيما بعد الأسلوب الذي مات به عبد الحكيم عامر حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي انسان يحبه ويقدره وهو اللواء الليثي, فلما سقط عبد الحكيم عامر ميتاً بين يديه في هذه المرة أصيب الليثي بصدمة عصبية لم تفارقه حتى أرسله السادات للاستشفاء في لندن, وهناك سقط من الدور العاشر بالمبنى الذي كان يسكن فيه فمات ومعه سرّه, الذي قصه عليّ.
(ص : 87 و88 و89 من كتاب : عبد الناصر والسادات وسكين المخابرات الأمريكية)