في عنفوان حملتي على الخليفة ليفة – مجدد أمجاد العثمانيين عند مدمني التصريحات العنترية والأفلام الهابطة – تعرضت لحملة هجوم اعتدت على أكثر منها منذ منَ الله عليّ بالتحرر من أغلال الترند وقيود ما يطلبه المستمعون، ولكن من ألطف ما مر بي كان تعليقا لأحد الإخوة المتابعين قائلا: “دعك من أردوغان وركزي مع السيسي الطاغوت الذي يقتلنا، أما الطاغوت الذي نعبده فلا تقتربي منه”.
كم كان هذا التعليق معبراً عن مدى الهوى الذي يقع فيه كثير ممن يظنون أنفسهم مدافعون عن الحق، بينما هم واقعون في بدع اعتقادية تتصادم مع صميم عقيدة التوحيد بسبب الغلو في التماس الأعذار لمن يحبونهم، تذكرت حينها لماذا كان السلف يسمون أهل البدع أهل الأهواء؟ لأن الأمر كان بحثا عن نشوة دينية زائفة باعتناق ما يعجب عقولهم المهتوكة من أفكار، أو ممارسة ما يطرب قلوبهم من شعائر مهما خالف كل ذلك الكتاب والسنة.
وكأنك تتطوع عزيزي المبرراتي (مشيها مبرراتي احتراما للعيش والملح مع سكان الصفحة الكرام) لتحمل نصيبًا من وزر من تدافع عنهم.
عزيزي المبرراتي، تبريرك لن ينجي صاحبك في الآخرة ولكنه قد يوردك المهالك في الدنيا والآخرة.
عزيزي المبرراتي المدافع عن الخليفة ليفة، الذي وصف نفسه بأنه ينفذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكان عرابا لإفساد الثورات في سوريا وليبيا ومصر، أو بمعنى أدق التأكد من عدم انحرافها عن المسار الذي رُسم للربيع العربي منذ البداية، لإنشاء بديلا أفضل لمنظومة سايكس بيكو وأقدر علي تنفيذ صفقة القرن، و”مواطنين صالحين” أكثر عبودية للطواغيت، ومعارضة هابطة أكثر إفادة لتغفيل من تبقى لديهم بعض الدين والعقل.
خليفتك الذي جر الثورة في سوريا لإتفاقات سوتشي وأستانا، وحول الثورة الليبية إلي صراع بين توم وجيري (حفتر والسراج)، ومهد الجو لاستقبال سيف الكفر ابن القذافي.
خليفتك الذي احتوى قيادات الاخوان ومن خلال قنوات اسطنبول تم احتواء الكتلة الثورية بأكملها فتحول حراك الشعب المصري الذي كان يمكن أن يؤدي إلى ثورة تقتلع العسكر إلى مجرد معارضة هشة ضد السيسي الديكتاتور الفاشل الحرامي مع المحافظة على الجيش “الوطني” و”ضباطه الشرفاء” و”عساكره الغلابة”، إلى أن استتب الأمر للطواغيت وترئسوا وتربعوا، بينما أنت لازلت تأكل الفشار والترمس أمام المقدمات النارية حتي ينهي خليفتك إجراءات المصالحة مع السيسي ابن حتته في منظومة سايكس بيكو.
خليفتك الذي قسم القدس إلى شرقية وغربية، ويسعى لمزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني، بينما ينكر على دويلة الخمارات ويتاجر بحركة حماس، ويسلم محمد عبد الحفيظ وإيمان كينجو وغيرهم لأعداء الإسلام، وفوق كل ذلك يروج للإسلام المقاصدي الذي وضع خبراء معهد راند أسسه، إسلام الخير للعباد والبلاد والمحبة والسلام وكل شئ إلا شرع الله، الذي لا يعني الكثير لأمثاله من منتحلي الحقيقة في مضادات الشريعة.
أعلمُ أن خليفتك مضطر (يا حرام) وحايس وأنه ثعلب سياسي مكار يخدع النظام العالمي حتي يربي جيلا يدافع عن الإسلام ويهدم النظام العالمي على رؤس الجميع لكي يعيد أمجاد الدولة العثمانية التي يجيد صانعي المشهد اختزالها في المستشفيات المتقدمة والباب ذي المقبضين رجالي وحريمي وحوض زهور ومكان لشرب العصافير، ليستكمل الصورة المثلى عن الإسلام “الجميل” الذي لا يغضب النظام العالمي.
عزيزي المبرراتي إذا كان خليفتك مضطرا، فلماذا لا تعذر أخاك السيساوي الحظائري ؟!
فالسيسي أيضا مضطر! السيسي ورث تركة عمالة وفساد أكل عليها الزمن وشرب، ولديه حدود مشتركة مع الكيان الصهيوني، ولديه مشاكل داخلية لا أول لها ولا آخر، ولعله يخادع أمريكا ويتأول أنه يقلل الفساد، وأن عدد من قتلهم في انقلابه إرضاءا لأمريكا كان أقل من العدد الذي سيقتله الأمريكان لو جاءوا باحتلال مباشر حال استمر حكم الإخوان، إطمئن أخي المبرراتي! فإن عدد من قتلهم السيسي في أقصى تقدير لن يجاوز العدد الذي قتله جيش الخلافة الأتاتوركي في أفغانستان يوم تسلم قيادة القوات الدولية ( والذي رفض إخوانك الأفغان دخوله مرة أخرى) بعد انسحاب الجيش الأمريكي.
الكارثة أن من يبرر لأردوغان، هو نفسه من يفرح بأي كلمة يلقيها له عضو أمانة سياسات وعضو الحزب الوطني وصبي جمال مبارك السابق الأنبا طيبوس، ويعتبره حصن الإسلام ودرعه، وينسى عن عمد تاريخه العلماني النجس، وإنكاره لحد الردة، وقبوله للتنصير إذا ما كان بغير مال واسغلال لحاجة الفقراء! ووصفه للتشيع بأنه مذهبا إسلاميا معتبرا؟!
بينما يشتد هجومه علي الشيخ يعقوب وينسى أن له تاريخ في الدعوة وله مواقف مسجلة ضد كل ما قاله في المحكمة، بل وضد فتاوي مشايخ السلفية النجدية في الصلح مع اليهود والاستعانة بالكفار ودخول قوات المشركين لجزيرة العرب إبان حرب الخليج (مع اعتباره لهم مجتهدون مأجورون في هذه السقطات!)
أنا هنا لا أبرر للشيخ يعقوب ما وقع منه في المحكمة، فرأيي معروف فيه وفي شيخ الطريقة الأمنية محمد حسان وقد كتبت عن ذلك مقالين، تعرضت فيهما لوصفه للطواغيت بأنهم ولاة أمور! وإجاباته بمعاريض وإجمال يضر بالأسرى ويلبس الحق علي السامع، وقوله لا أدري بشكل أعان الطواغيت علي استثمار الأمر لإظهار الشيخ بمظهر الضعيف، وإذلال من له رمزية في الكيان النفسي للشباب الملتزمين، والشماتة في الإسلام وأهله، وذكرت أنني لم أكن أنتظر منه ولا من مدرسته قول الحق الكامل والأخذ بالعزيمة، ولكن كان بوسعه كما قلت ايضا تحمل نتيجة الصمت، أو التورية دون أن يستخدم لشرعنة الظلم والضرب بسهم في دماء الموحدين.
أنا هنا أنتقد حال إخواننا المبرراتية الذين يفرحون بمشاركة مقاطع لشيوخ أفاضل يهاجمون الشيخ يعقوب، بينما هم أنفسهم يثنون علي أردوغان وأمير قطر دون أن يدروا أنهما امتداد للعبة الطيب والشرير التي مارسها فيصل وعبد الناصر في الخمسينات؟! ألا يعلم هؤلاء أن الإسلام كالصلاة والصيام ينقض بناقض واحد وأن الفارق بين السيسي وأردوغان هو كالفارق بين من أحدث في صلاته او شرب في صيامه مرة أو مرات؟!
عزيزي المبرراتي، حين تنكر علي الشيخ يعقوب فعلته وتضمه للجامية والمداخلة وتسب الجامية والمداخلة وتلعنهم، لك أن تعلم أن الأستاذ مهدي عاكف رحمه الله وصف يوما المخلوع الهالك مبارك بأنه ولي أمر وأن طاعته واجبة! وأن من بين رموز الإخوان من ينتقد سيد قطب بأشد مما قاله الشيخ يعقوب، وأن الأستاذ محمد بديع فك الله أسره يعتبر من كانوا يعذبونه علي الإسلام في الستينيات إخوة له في الإسلام! بل وينكر علي من كفرهم من الإخوان!
وعليك أن تعلم أيضا أن الجامية والمداخلة ليسوا سوى شماعة لجعل بدعة تعظيم الطواغيت تبدو وكأنها قاصرة عليهم، بينما هي ضاربة بعروقها في جذور السلفية المعاصرة، وقد هالني ما قرأت حين قررت أن أبحث في جذور السلفية المعاصرة.
فعلى سبيل المثال ابن باز وابن عثيمين كانا يسميان أولاد سعود أئمة وولاة أمر!
بل إن ابن عثيمين له تسجيل يقول فيه “لو كان ولي الأمر فاسقا يشرب الخمر ويزني ويلوط ويفعل كل منكر لا يجوز الخروج عليه ما لم يأت بالكفر”! وكأن الله شرع الحدود للضعفاء!
وفي موضع آخر يقول: “ولو فرضنا على التقدير البعيد أن ولي الأمر كافر، هل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس حتى يحدث التمرد والفوضي والقتال”! وكأنه يأمرنا أن نطيع ولي الأمر بعقولنا وألسنتنا لتكتمل منظومة عبادة الطواغيت!
ولا أدري ما هو الأمر الذي يتولاه من يسميه ولي أمر؟! أليس الأمر سياسة الدنيا بالدين؟!
هل ما يفعله هؤلاء الطواغيت يعد من الأمر، هل هذا ما أمر الله به الحكام من سياسة الدنيا بالدين؟!
تعالي الله عما يقول هؤلاء الظالمون علوا كبيرا
الكارثة الكبرى تكمن في حجم ما تفرع عن تلك الفتاوى الكارثية التي بررت دخول المشركين لجزيرة العرب، والصلح مع اليهود، بل وأعانت اولاد سعود على لعب المزيد من أدوار العمالة والخيانة التي يطول شرحها، وبررت قتل أو سجن كل من يعارض هذا الضلال المبين لكونه خارجًا على ولي الأمر! ثم استلم الجامية والمداخلة الراية وجودوا وطورا في الانحراف؟!
ومن أعاجيب قدر الله أني وجدت كتاب يسمى فقه الخلاف للانقلابي المجرم المنتكس ياسر برهامي وفيه رداً موجزا جميلا على بدعة اعتبار الطواغيت ولاة أمور، تجدونه في الصور المرفقة مع المقال.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)